في مدينة سيدي بوسعيد التونسية المطلّة على المتوسط حيث يتداخل اللونان الأزرق والأخضر تداخل التعمية والتشابك، تنتظم الدورة الخامسة من المهرجان الدولي للشعر محتفلة، على وجه الخصوص، بالقصائد المتوسطية في تعدّدها وتنوّعها، مستشرفة آفاقها الرمزية والاستعارية الجديدة، مستقصية الخيوط التي تنتظمها على تقاذف المسافات بينها.
لكن دوران هذا المهرجان على الشعر في البلدان المتوسطية لا يلغي حضور تجارب شعرية تنتمي إلى فضاءات جغرافية أخرى ومن أبرز هذه التجارب التجربة السعودية والتجربة العراقية والتجربة التايوانية. فطموح هذا المهرجان كما أوضح رئيسه يتمثّل في الارتقاء به إلى مصافّ المهرجانات الشعريّة العالميّة، بل تحويله إلى أكبر مهرجان شعري في جنوب المتوسّط.
سينعقد هذا المهرجان حيث يلتقي خمسة عشر شاعراً من خمس وعشرين جنسية للاحتفال بالشعر وشقيقته الموسيقى ومن أبرز البلدان المساهمة في هذا المهرجان: إسبانيا وفرنسا وإيطاليا ولبنان ومالطا والمغرب وفلسطين وصربيا وتركيا وتونس.
يشير رئيس المهرجان رؤوف الدخلاوي الذي تولّى لسنوات خلت مهمة رئيس بلديّة سيدي بوسعيد، إلى أنّ جمعية سيدي بوسعيد للمألوف والتراث والموسيقى التي تنظم المهرجان للمرّة الخامسة «اكتسبت خبرة طويلة مكنتها من تنظيم هذه الدورة بكفاءة عالية… وباتت تطمح الآن إلى تنظيم أكبر تظاهرة شعريّة في جنوب المتوسّط»، مضيفاً بنبرة واثقة «ونحن لا نشكّ في أن هذا المهرجان سيتحوّل بسرعة إلى واحد من أهم ّالمهرجانات الشعرية العالمية». ويوضح: «أنّ هذا المهرجان لن يقتصر على الكلمة الشاعرة فحسب بل سيهتمّ أيضاً بالموسيقى، في شكلها الفرديّ والجماعيّ… وستشهد كل التظاهرات لقاء بهيجاً بين هذين الفنّين الشقيقين».
أمّا مدير المهرجان الشاعر معزّ ماجد، وهو من شعراء القصيدة التونسية المكتوبة باللغة الفرنسيّة، فيشير إلى أنّ المهرجان سيقام في «الأماكن المفتوحة» أي الأماكن التي لا تحيط بها أسيجة وأسوار» لأنّ طموحنا، نحن الشعراء التّونسيّين، يتمثّل في الاستحواذ على مجال أوسع للحريّة، أي للشعر، في هذه الضفّة الجنوبيّة للبحر المتوسط… مسترشدين بقول طاغور: نحن أجلاف الشرق العراة سنفتكّ يوماً ما نصيبا من الحريّة تستفيد منها الإنسانيّة جمعاء…»، مضيفاً: «إنّ ميزة المهرجان أنّ فعاليّاته ستخرج إلى الساحات العامّة فتغزو المقاهي والحدائق وشواطئ البحر ليتمّ اللقاء، وربّما من دون إعلام مسبق، بين الشعراء وأهل المدينة وسيّاحها… فالدورات السابقة أثبتت أنّ الشاعر قادر على أن ينحت لنفسه مكاناً متميّزاً في الفضاء العامّ».
أمّا عن المعيار الذي اعتمدته اللجنة في اختيار الشعراء الذين تمت دعوتهم فيقول: «نحن نعرف أن وظيفة الشعر هي مساءلة الوجود… ومن أخص خصائصه التحرر المطلق من إكراهات المعنى. والخروج عن المألوف والتمرد على كل تعريف. لهذا كان المعيار قيمة النص الشعري، قوته، كثافته الرمزية… استشرافه لآفاق تعبيرية جديدة».