الإبل والقرش مصدراً لمناعة نانوية تشفي من أمراض

قد تكون دولة الإمارات العربية المتحدة هي الأكثر سعادة بالقفزة العلمية التي حدثت أخيراً في شأن نوع جديد من أجسام المناعة يُشكل قاسماً مشتركاً بين الجِمال وأسماك القرش، إذ ترافقت تلك القفزة التي رصدتها مجلة «ساينس» العلمية المرموقة أخيراً، مع الإعلان عن إنتاج أول بودرة من حليب الإبل مخصصة للأطفال، ويتعلق الأمر بأجسام مناعيّة فائقة القوة وصغيرة الحجم تماماً، لا توجد إلا في قلة من الحيوانات، أبرزها الجِمال.

ويصل حجم تلك الأجسام المناعية التي رصدها العلماء المرة الأولى في ثمانينات القرن العشرين، إلى مستوى النانومتر، وهو جزء من البليون من المتر، لذا فهي تسمّى «أجسام النانو»،  وصارت حقلاً مستقلاً للبحث العلمي منذ عام 2012، خصوصاً في جامعة «كامبردج»، وتتميز «أجسام النانو» بأنها تستمر طويلاً ويسهل ذوبانها في سوائل الجسم، ما يجعل حليب الإبل مصدراً مهماً لها، وحاضراً، يستفيد العلماء من حجمها الصغير، ليجعلوها أداة للتعرف إلى أنواع الخلايا السرطانية، وكشف وجود فيروسات وأنواع من البكتيريا.

وقبل أيام، أعلن فريق مختصّ بجهاز المناعة في جامعة «ميريلاند» الأميركية أن دواءً مركباً من «أجسام نانو» مصدرها الجِمال، سيُستخدم في وقت لاحق من العام الحالي، لمعالجة أمراض عند البشر، للمرّة الأولى في تاريخ الطب. وفي خطوة تالية، هناك نحو 40 دواءً مركباً من «أجسام النانو»، ينتظر دخوله الأسواق أيضاً. وستُستعمل في معالجة مروحة من الأمراض، تشمل أنواعاً من السرطان، والتهابات رئوية ناجمة عن بكتيريا وفيروسات، ومجموعة من أمراض جلدية مستعصية كمرضيْ الذِئبة والصدفية، إضافة إلى الروماتيزم الالتهابي في المفاصل.

وسواء تعلق الأمر بالفيروسات أو الخلايا السرطانية، تتميز «أجسام النانو» بأنها «تقبض» على الشيء الذي تستهدفه، بقوة تفوق كثيراً أجسام المناعة العادية الحجم، ما يزيد فاعليتها في شكل كبير، ومن ناحية ثانية، عندما يفشل جهاز المناعة في مواجهة أمراض معينة، يمكن إعطاء المرضى «أجسام النانو»، فتصبح عنصراً مساعداً يسهل عمل جهاز المناعة، بل يرفع مستوى أدائه.

غموض علمي مثير

في منحى مستقل، يشدد الباحث الأميركي ك. كريستوفر غارسيا، من جامعة ستانفورد، على أن العلاج بـ «أجسام النانو» لا يزال في بداياته. ويشير إلى أن العلماء لم يتوصلوا بعد إلى فهم عملها داخل أجساد حيوانات كالإبل وأسماك القرش. ويزيد تعقيد صورة عملها أنها تبقى فاعلة بعد دخولها الخلايا الطبيعية، إذ توصل فريق في كلية «بايلور» الطبية، إلى أن «أجسام النانو» تؤدي دوراً في الذاكرة والتعلّم عند بعض الكائنات الحيّة، ما يثير سؤالاً عن إمكان أدائها أمراً مماثلاً في دماغ الإنسان.

وفي بحوث مشابهة، تعرّف أساتذة في الطب في جامعة «ستانفورد» أيضاً، إلى دور لـ «أجسام المناعة» في تفاعل الخلايا مع مواد كيماوية أساسية في الجسد كتلك التي تُعطي القهوة طعماً مراً عند تفاعلها مع أعصاب اللسان، وهرمون الأدرينالين الذي يحفّز الجسم وينشطه، وفي عام 2012، ذهبت جائزة «نوبل» في الكيمياء إلى ك. كريستوفر غارسيا وبرايان كوبليكا، لاكتشافهما التفاعل بين «أجسام النانو» والأدرينالين.

وفي مطلع 2018، توصل العلماء إلى صنع «أجسام نانو» رُكّبت بصورة اصطناعية في المختبر، كي تكون شبيهة بتلك الموجودة عند الجمل، وكان ذلك على أيدي فريق قاده البروفيسور آندرو كروس من كلية الطب في جامعة «هارفرد». وأدى ذلك إلى إعطاء البحوث عن «أجسام النانو» دفعة نوعية، إذ لم يعد الباحثون في حاجة إلى استخراجها من الجِمال، وتمكّنت شركة «آبلينوكس» البلجيكية من صنع دواء مركّب من «أجسام النانو» يستطيع شفاء أمراض خطيرة تتصل بتخثر الدم بطريقة تؤدي إلى تلف الأعصاب أو تكوّن جلطات في القلب والمخ.

تابعنا على تلغرام تابعنا على تويتر