خطب جمعة جاهزة قصيرة

 خطب جمعة جاهزة قصيرة

خطب جمعة جاهزة قصيرة، يعتبر يوم الجمعة بالنسبة للمسلمين هو يوم عيد ففيه يجتمعون في المسجد ليستمعوا إلي الخطبة، التي تغذي أرواحهم بكلام الدين والإيمان والذي يشحذ هممهم، ولهذا في هذا المقال سوف نقدم لكم بعض الخطب الجاهزة التي يمكنها أن تعين الخطيب على إعداد خطب تخاطب الناس في جميع نواحي حياتهم، خطب جمعة جاهزة قصيرة.

 خطب جمعة جاهزة قصيرة

خطبة كيف تنال حفظ الله ورعايته

الحمد لله الكريم الجواد، خلق الإنسان من نطفة وجعل له السمع والبصر والفؤاد، أنزل الغيث مباركًا فأحيا به البلاد، وأخرج به نبات كل شيء رزقًا للعباد .

نحمده تبارك وتعالى حمد الطائعين العُبَّاد، ونتوكل عليه توكل المخبتين الزُّهَّاد، ونعوذ بنور وجهه الكريم من الوعيد بسوء المهاد، ونسأله النصر في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد .

وأشهد أن لا إله إلا الله المضل الهاد، المنزه عن الأشباه والأنداد، الفعال لما يريد ولا يقع في ملكه إلا ما أراد .

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين من حاضر وباد، خير من دعا وهدى وبالخير العظيم جاد، المبعوث رحمة فينا وبشفاعته يغاث العباد، والمبشر بالأخوة والمحبة ونبذ الغل والأحقاد، أشجع الناس قاطبة إذا دعا داع الجهاد، وأكرم الناس طرًّا إذا عزّ مال أو قل زاد .

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ما نادى للصلاة مناد، وكلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون إلى يوم التناد ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً …

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]

“يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1] ،

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب 7071]،…

أمـــــا بعـــــد:

فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عـــــباد الله:

يعيش الإنسان في هذه الحياة الدّنيا وهو يأمل أن يشمله الله سبحانه برعايته وحفظه، ويدفع عنه شرور الدّنيا وأذى الخلق ووساوس الشّيطان،

ولا شكّ بأنّ هذا الحفظ الرّباني للعباد لا يكون إلاّ بأخذ العبد بالأسباب التي تؤدّي إلى ذلك،

وهي:

أن يحفظ العبد ربّه في قوله وعمله وسائر تصرّفاته في الحياة ومعاملاته مع النّاس،

يقول النبي صلى الله عليه وسلم لابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: “يَا غُلاَمُ! إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ”.) رواه الترمذي وأحمد وصححه الألباني)،

أي: احفظ حدود الله وحقوقه وأوامره ونواهيه، وحفظ ذلك هو الوقوف عند أوامره بالامتثال وعند نواهيه بالاجتناب،

وقوله صلى الله عليه وسلم “تجده أمامك” وفِي رواية: “تجده تجاهك”

معناه: أن من حفظ حدود الله وَجَدَ الله معه فِي جَمِيع الأحوال، يحوطه وينصره ويحفظه ويؤيده ويسدده، فإن الجزاء من جنس العمل.

ومن أسباب حفظ الله للعبد: الدعاء،

فقد كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِذَا ودَّع من يريد السفر يَقُولُ لَهُ: “استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك”، وفِي رواية وكَانَ يَقُولُ: “إن الله إِذَا استودع شيئاً حفظه” “أخرجه النسائي).

ومن أسباب حفظ الله للعبد: المحافظة على الأذكار الواردة في القرآن الكريم والسّنّة النّبويّة المطهّرة، فالذّكر بلا شكّ حصنٌ حصين وحرزٌ مكين، لا يدرك أهميّته إلاّ ذوي البصائر،

قال ابن القيم رحمه الله: “أذكار الصباح والمساء بمثابة الدرع، كلما زادت سماكته لم يتأثر صاحبه، بل تصل قوة الدرع أن يعود السهم فيصيب من أطلقه”،

وتأمل هذا الحديث الذي يرويه لنا عثمان بن عفان رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ” ” صحيح أبي داود)،

وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة، فقال: “أما إنك لو قلت حين تمسي: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم تضرك إن شاء الله تعالى” “رواه مسلم).

عباد الله :

حفظ الله لعباده الصالحين تمتد إلى جوانب شتى، وله صور كثيرة متعددة،

ولكن أعظم هذه الصور على الإطلاق: هي حفظ الله تعالى للعبد في دينه وصلاحه واستقامته، هذا النوع هو أعظم أنواع الحفظ وأفضلها وأهمها وأعلاها على الإطلاق،

قال تعالى: “اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) [البقرة: 257].

ومن حفظ الله تعالى لعبده المؤمن: أن يحفظ عَلَيْهِ دينه عِنْدَ موته فيتوفاه عَلَى الإسلام،

قال تعالى: “يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) [إبراهيم: 27]

وقال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأحقاف: 13].

ومن حفظ الله تعالى لعبده المؤمن في دينه، أن يحفظه من الشبهات والشهوات، فمن حفظ الشبهات أن يريه الحق حقاً ويرزقه أتباعه، وأن يريه الباطل باطلاً ويرزقه اجتنابه، ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي يدعو به صلاة الليل: “اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم” “صحيح مسلم).

ومن حفظ الشهوات ما يصرفه تعالى عن عبده المؤمن من الوقوع في الشهوات المحرمة،

قال تعالى عن يوسف عليه السلام: “كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف: 24]،

وفِي حديث عمر عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه علمه أن يَقُولُ: “اللَّهُمَّ احفظني بالإسلام قائماً واحفظني بالإسلام قاعداً واحفظني بالإسلام راقداً ولا تطع فِي عدواً ولا حاسداً” “رواه الحاكم وحسنه الألباني)،

ففيه سؤال اللَّه أن يجعله متمسكاً بالإسلام في كل أحواله.

ومن صور حفظ الله للعبد: أن يحفظه في صحته وقوته وعقله،

قال بعض السلف: “العالم لا يخرف”، وقال بعضهم: “من جمع القرآن متَّع بعقله”،

وكان أبو الطيب الطبري قد جاوز المائة سنة وهو ممتَّع بعقله وقوته، فوثب يوماً من سفينة كان فيها إلى الأرض وثبة شديدة،

فعوتب على ذلك فقال: “هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر”.

ومن صور حفظ الله للعبد: حفظه في أولاده وأمواله، وقد يحفظ الله العبد بصلاحه ولده وولد ولده،

كما في قوله تعالى: “أَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا) [الكهف: 82]،

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: “حُفِظَا بِصَلَاحِ أَبَوَيْهِمَا”،

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: إِنَّ اللَّهَ يَحْفَظُ بِصَلَاحِ الْعَبْدِ وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ وَعِتْرَتَهُ وَعَشِيرَتَهُ وَأَهْلَ دُوَيْرَاتٍ حَوْلَهُ فَمَا يَزَالُونَ فِي حِفْظِ اللَّهِ مَا دَامَ فِيهِمْ”،

قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: إِنِّي لَأُصَلِّي فَأَذْكُرُ وَلَدِي فَأَزِيدُ فِي صَلَاتِي”.

ومن صور حفظ الله لعبده: حفظه من أذى الجن والإنس، فيحفظه من شر كلّ من يريده،

قال تعالى: “لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) [الرعد: 11]،

قَالَ مُجَاهِدٌ: “مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَلَهُ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهِ، يَحْفَظُهُ فِي نَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْهَوَامِّ، فَمَا مِنْهُمْ شَيْءٌ يَأْتِيهِ يُرِيدُهُ إِلَّا قَالَ: وَرَاءَكَ! إِلَّا شَيْءٌ يَأْذَنُ اللَّهُ فِيهِ فَيُصِيبُهُ”.

وقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: “لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَّلَ بِكُمْ مَلَائِكَةً يَذُبُّونَ عَنْكُمْ فِي مَطْعَمِكُمْ وَمَشْرَبِكُمْ وَعَوْرَاتِكُمْ، لَتَخَطَّفَكُمُ الْجِنُّ”.

أيها المسلمون:

ومن أعظم ما يجب حفظه من أوامر الله، حفظ الصلاة، وقد أمر الله بالمحافظة عليها فقال: “حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة: 238]،

ومدح الله المحافظين عليها بقوله: “وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) [المؤمنون: 9]،

وكذلك المحافظة على الطهارة، فإنها مفتاح الصلاة،

قال النبي صلي الله عليه وسلم: “وَلاَ يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلاَّ مُؤْمِن” “ابن ماجه وصححه الألباني).

فمن حافظ على الصلاة حفظه الله، وفي الحديث: “إذا أحسن الرجل الصلاة فأتم ركوعها وسجودها قالت الصلاة: حفظك الله كما حفظتني، فترفع، وإذا أساء الصلاة، فلم يتم ركوعها وسجودها، قالت الصلاة: ضيعك الله كما ضيعتني: فتلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجهه” “حسنه الألباني).

ومما يُؤمّر بحفظه الأيّمان، قال الله عز وجل: “وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) [المائدة: 89]،

أي: حفظها عن الحلف بالله كاذباً، وحفظها عن كثرة الحلف.

ومن الأشياء المأمورين بحفظها: حفظ الرأس والبطن عن المحرمات،

وهذا مفهوم التقوى، وفي الحديث الذي حسنه الألباني أنه صلي الله عليه وسلم قال: “فَلْيَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَلْيَحْفَظِ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى”،

فيدخل في حفظ الرأس، حفظ السمع والبصر واللسان ، و”البطن وما حوى” يتضمن حفظ القلب عن الحسد والحقد والكبر والشحناء،

ويتضمن أيضا حفظ البطن عن إدخال الحرام إليها من المأكل والمشرب.

ومن أعظم ما يجب حفظه من نواهي الله عز وجل: حفظ اللسان والفرج، حفظ اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والكلام الفاحش، وحفظ الفرج من الزنا والفواحش،

قال صلي الله عليه وسلم قال: “مَنْ يَضْمَنْ لي ما بيْن لَحْيَيْهِ، وما بَيْنَ رِجْلَيْهِ، أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ” “رواه البخاري)، وفي رواية: “مَنْ حَفِظَ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَرِجْلَيْهِ” “الحاكم).

إذا حفظت الله في جوارحك ووجهتها في طاعة الله، وأبعدتها عن الحرام، حفظك الله تعالى،

قال قتاده: “من يتقي الله يكن معه، ومن يكن الله معه، فمعه الفئة التي لا تُغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل”…

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم…

أقول ما سمعتم واستغفر الله العظيم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم…

خطبة وقفات مع بداية العام الدراسي

الحمد لله أحمدُه سبحانه وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبدُهُ ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: أيها المسلمون! هاهي أيام الإجازة الصيفية قد انقضت، وصحائفها قد انطوت، وها نحن نودِّع مناسبة الإجازة التي دامت قرابة ثلاثة أشهر، بحلوها ومرها، وكسلها وجدها، وهاهي الساحة الآن لقادم جديد، ولمناسبة جديدة أخرى، هي أسمى وأغلى.

وفي ذهاب الأيام وتَسارعها عبرة للمعتبرين، وعظة للغافلين، بأن الحياة فانية زائلة، وأن عجلة الحياة في دوران مستمر، وحركة دائمة، ونحن ندور معها فسنودع هذه الحياة، ونرحل عنها يومًا، تاركين الساحة للقادمين الجدد، ونسلم القيادة والزمام للجيل الجديد، وهكذا سنة الله، “وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الأحزاب:62، الفتح:23].

والعاقل من استثمر عمره، وأبقى ذكراً وعملاً صالحاً خالداً لا ينقطع، والكل منا يؤمل بطول العمر، ويتسلى بالأماني، فإذا بحبل الأمل قد انصرم، وببناء الأماني قد انهدم.

وَمَا هَذِهِ الأيَّامُ إِلَّا مَرَاحِلٌ *** يَحُثُّ بِها داعٍ إلى الموتِ قاصِدُ

وأعْجَبُ شَيْءٍ لَوْ تَأَمَّلْتَ أنَّهَا *** مَنَازِلُ تُطْوَى والمُسافِرُ قَاعِدُ

عباد الله! غداً بداية العام الدراسي الجديد، وهي مناسبة لها تأثير كبير في حياتنا اليومية، وفي برامجنا، وأوقات راحتنا وعملنا، بل هي مناسبة تحسب لها الدول والمؤسسات التربوية ألف حساب وحساب، وذلك في ظل تزايد إدراك العالم بأهمية العملية التعليمية، حتى أضحى التعليم من أبرز سماته البارزة، وعلاماته المتميزة.

فالكل يُدرك اليوم أن التعليم أس التطوير والتنمية، ولا غرابة، فهو مشروع استثمار غاية في الأهمية، أليس استثمارًا في العقول والأفكار؟ فغدًا نحو أربعة ملايين ونصف المليون من أبنائنا وبناتنا يتوجهون إلى مقاعد الدراسة، وإلى المحاضن التعليمية والتربوية، للنهل من معين العلم والمعرفة، والتأهل لمستقبل قريب يمسكون فيه بزمام الأمور والمسؤولية، وهاهم يقبلون على أيام الدراسة بعد أن ودعوا أيام الإجازة، أيام عدم الاستقرار، أيام اللا تنظيم في الحياة! فغداً يستقبلون أيام العلم والتعليم، أيام التربية والتوجيه، أيام القراءة والمذاكرة، أيام التسلح بسلاح المعرفة والمهارات، فالعلم سلاح وقد أثبت التاريخ أنه لن يقف في وجه سلاح العلم أي سلاح، فالعلم قوة أثبتت الأدلة والتجربة والبراهين أنه لا تدانيها ولا تضاهيها أي قوة.

عباد الله! الأصل أن أيام الدراسة والتعليم لها أثر كبير في حياتنا تنظيماً واستقراراً، وثمرة وبناءً، ولو بدون قصد من البعض منا، ولو كره البعض الرجوع وبداية العام الدراسي، لكنها مؤشرات تنبه وتؤكد على أن للعلم وطلبه أثرًا كبيرًا في حياتنا اليومية ولو كرهناه، فكيف لو أحببناه، وأخلصنا النية والقصد في طلبه؟ كيف لو عرفنا أهميته لبناء النفس، وسعة الوعي والثقافة، وبناء الوطن والحضارة؟ فماذا أعددنا للغد كآباء وأمهات وكمعلمين ومعلمات للمسئولية الملقاة على عواتقنا في تنمية عقول الملايين وتعليمهم وتربيتهم، وما برامجنا وخططنا لتأهيلهم ومساعدتهم لكشف الذات، والمواهب والقدرات، وكسب المزيد من المعارف والعلوم؟.

إننا نتساءل دوماً، خاصة في مثل هذه المناسبات: ماذا لو تعاون الجميع بصدق وإخلاص لتربية هذه الأعداد الكبيرة على التخطيط والتنظيم في حياتنا؟ وكيف يكون حالهم لو علمناهم المزيد من الجد والمثابرة في التعلم وكسب المعارف؟ كيف لو أقنعناهم أن حاجتهم للعلم والمعرفة والقراءة أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب؟ أليس لنا أن نتساءل ماذا أعددنا لاستقبال الأربع والنصف مليون من الطلاب والطالبات غداً؟ ما هي مراسم الاستقبال لإعداد نفوس طلابنا غداً وتهيئتهم لاستقبال عام دراسي جديد؟.

قبل أيام بدأ العام الدراسي الجديد في الصين لاستقبال “220) مليون تلميذ صيني في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة فقط، بدؤوا عامهم بمشاهدة جماعية موحدة لبرنامج تلفزيوني بعنوان: “حلمي: الحلم الصيني”، من خلال بث مباشر من الساعة التاسعة مساءاً إلى العاشرة وأربعين دقيقة، هدفه تحفيز الطلاب على الحلم والإبداع، وإفادة الجيل الصاعد لحثه على العمل واستنهاض أماله، ولذا ظهر فيه مشاهير صينيون حققوا نجاحات، رووا قصص أحلامهم وكفاحهم حتى وصلوا لمرادهم، وبعد مشاهدة البرنامج نظمت المدارس الصينية حلقات حوار شارك فيها التلاميذ الذين تكلموا عن أحلامهم الصغيرة وأمنياتهم، ويرى الصينيون من خلال هذا البرنامج أن الحلم الكبير الذي يسعون إليه هو مجموع هذه الأحلام الصغيرة للتلاميذ وكيفية استثمارها.

فكيف لو استقبلنا تلاميذنا غداً ببرامج تكسبهم قناعات داخلية أنه لا تَقدُّم للأفراد فضلاً عن الأمم والحضارات بدون العلم والقراءة، وأنه بالعلم والقراءة تحيا العقول، وتستنير الأفئدة، وأنه لا يمكن أن يستقيم الفكر إلا بالعلم والصبر عليه، كيف لو استقبلناهم غداً ببرامج تكسبهم قناعات داخلية أنه بالعلم والقراءة ينفض الإنسان غبار الجهل من رأسه ليحل محله نور المعرفة وضياؤها، وبالعلم والقراءة يكون الوعي والنضج والنمو، وأن القراءة تساعد على وضوح الرؤية ودقة الحكم، كيف لو استقبلناهم غداً ببرامج تكسبهم قناعات داخلية أنه بالعلم والقراءة يظل الإدراك العقلي للشاب يتنامى حتى يصل لمرحلة بناء السد المنيع لكل محاولة تضليلية، وكل محاولة غزو فكرية، خارجية أو داخلية، وأنه بكثرة القراءة يدرك الطالب الغث من السمين، خاصة في زمن الغثائية، وأنه بالعلم والقراءة والتقوى لا يقع في حبائل الشهوات والشبهات والفتن، ما ظهر منها وما بطن.

أيها الإخوة! سامحوني، فقد سرحت في خيال جيل جميل كلنا يتمناه، لكن مجرد الأماني لا تغني وإلا فبكل صراحة ما فائدة علم لم يُكس بخلق؟ وما ثمرة العلم الذي لا يحصنك من الشهوات والشبهات؟ وما قيمة مناهج لا تُثمر حباً للناس وحباً للتنظيم والتخطيط؟ ما فائدة دروس ومدارس لا تنفض الفوضى والكسل والفتور من النفوس الناشئة الطرية؟.

أيها المسلمون: أيها المعلمون: إن لم تكن هذه المدارس ودور العلم في كافة مستوياتها محاضن تربوية جادة للأجيال، فمَن إذاً لأجيالنا؟ فهي تحوي أثمن ما تملكه الأمة، الثروة البشرية، رجال الغد وجيل المستقبل، ثروة تتضاءل أمامها كنوز الأرض جميعها.

يا الله! كيف سيكون حالهم وهم يرون، بل ويعيشون، هذه الفوضوية والكسل واقعاً ملموساً، إنه شرٌ عظيم أن تؤتى هذه الدور والمحاضن التعليمية من القدوات وممن وُكل إليهم رعايتها وصيانتها؟ والله وتالله! لن ينفع التعليم إن لم يُربِّ الشباب على السلوك الجاد، والعمل المنظم الصحيح، تطبيقاً واقعيًّا وعملياً، يمارسونه ويعيشونه بأنفسهم، أما مجرد التلقين والتنظير والحفظ فلن تصلح المناهج مهما عُدلت أو بدلت، فهل يتنبه لهذا رجال العلم والتربية؟! وهل يعي هذا المعلمون والمربون؟!.

إنها كما ذكرتُ مراجعات وتساؤلات فرضها الوقت والزمان، مراجعات ومحاسبات جدير بكل مرب ومعلم ومسؤول عاقل أن يقف وأن يتساءل مثل هذه التساؤلات، ولعلي أترك لكم فرصة التأمل والبحث عن الإجابات، فـ “كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [المدثر:38]، “إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ يحْصِيهَا الله لَكُمْ ثُمَّ يُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ”، وهناك كتاب “لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا) [الكهف:49]، وإنما هي حياتكم وأيامكم وأعماركم. لكن شتان بين الهم والجد، وتحمل المسئولية والأمانة، والتنظيم والتخطيط، والمراجعة والمحاسبة، وبين الإهمال والفوضوية، والترف، والغفلة! والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

أيها الآباء والأمهات! ما أحسن الاستعداد للعام الدراسي الجديد بشراء الكراريس والملابس والأقلام وغيرها من الأدوات! لكن الأكثر حسنًا وأحسن عاقبة أن نردف الاستعداد المادي بالاستعداد المعنوي والنفسي للمدرسة، المتمثل في غرس حب المدرسة، وحب التعليم والمعرفة، وتوضيح الأهداف من التعليم للأبناء والطلاب، وأنه ليس للنجاح في الاختبارات، والحصول على الشهادات، والتربع على كرسي الوظائف والمسئوليات فقط، نعم هذه من الأهداف، ولكن هناك أهداف قبلها أشرف وأغلى وأعلى وأكبر منها، ألا وهي تربية الذات، وكسب العلم والمعرفة لإرضاء خالق الأرض والسموات، فعلى الآباء والأمهات غرس الأهداف الكبرى في نفوس الأبناء، لأن الذي لا يعرف الهدف من التعليم، ولا يملك الوضوح في الرؤية، فهو ضائع حائر.

فالأولاد من البنين والبنات يقضون في المدرسة في اليوم خمس ساعات، وفي الأسبوع 25 ساعة، وفي الشهر 100 ساعة، وفي العام وهي الأشهر الدراسية العشرة 1000 ساعة، ولكي يتخرج من الثانوية يكون قد قضى الواحد منهم 14 ألف ساعة دراسية خالصة، فهل وضحنا لهم الهدف من قضاء هذه الساعات في المدرسة حتى يسعوا لتحقيقها؟ هل علمناهم ثمرة الصبر واحتساب الأجر عند الله في الدراسة؟ هل غرسنا في نفوسهم الغضة الرغبة في النهوض بالدين والأمة والبلد والوطن إلى الأحسن؟.

وأنت أيها الطالب هل خططت أن تتخرج طبيبًا، أو مهندسًا، أو معلمًا، أو غير ذلك من الوظائف، لأجل بناء شخصيتك ومكانتك، وخدمة لدينك وأمتك وبلدك، على ضوء العلم والمعرفة التي تلقيتها، ولكي تحصل على أهدافك يجب أن تكون واضحة لك تمامًا، بل يفضل أن تكون مكتوبة ومرسومة ومعلنة، بل يجب أن تكون كذلك لدى الآباء والأمهات أيضًا حتى يساعدوا الأولاد فيها، ويذكروهم بها على الدوام، وهذا هو الفرق بين المجتمع المنتج الحي الذي يربي أبناءه على الوضوح في الأهداف والرؤى، وبين المجتمع الميت المستهلك الذي لا هدف له ولا وضوح عنده، فيتحول مع الزمن من مجتمع عطاء ونماء إلى مجتمع استهلاكي وسوق للمستثمرين.

أيها الإعلاميون: إنكم تتحملون الكثير، فعلى وسائل الإعلام والصحف والقنوات والقائمين عليها مسئولية كبيرة بخصوص هذه المناسبة، عليهم مهمة التوعية والتثقيف للأجيال وللمجتمع، وكذلك على الدعاة والخطباء وأئمة المساجد دور في تذكير الناس والأبناء بتحبيب المدرسة والاستفادة القصوى منها.

نسأل الله أن يوفق الجميع، والمعلمين والمعلمات، في القيام بمسؤولياتهم، وأداء واجباتهم، وكذلك القائمين عليهم وعلى شؤون التعليم عمومًا، وأن يرزقهم الإخلاص والصواب في العمل، والنصح في التوجيه، والعمل بروح الفريق الواحد كخلية النحل، وأن يجنبهم الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، فالأصل في المجتمع المسلم أنه مجتمع متراحم متماسك، فكيف بمن هم النخبة في المجتمع؟ “تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” رواه البخاري.

ولا ننسى أن نتواصى، ونذكر أنفسنا والأسر وأولياء الأمور بواجباتنا تجاه تعليم أبنائنا، والتعاون مع المدرسة، ومتابعة الأبناء وزيارة المدارس والتواصل معها بين الفينة والأخرى، فنحن مقصرون غافلون عن هذا كثيراً، ففيه تشجيع للقائمين على التعليم، ومساعدتهم في تطوير التعليم، وتحسين الأداء، وزيادة الاستفادة من هذه المحاضن التعليمية والتربوية، فأين المحبون للتطوير والتغيير؟ وأين الحريصون على تطوير التعليم والمناهج؟ ورقي الوطن وتحضره؟ هيا لنتعاون ونضع أيدينا بأيدي إخواننا في التربية والتعليم.

نسأل الله أن يجعلنا جميعاً من مفاتيح الخير، وأن ينفعنا وينفع بنا، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .

خطبة فن التعامل مع الناس

الحمد لله العفو الغفور، الرؤوف الشكور، الذي وفَّق مَن شاء من عباده لمحاسن الأمور، وما فيه عظيم الأجور، فعملوا له أعمالاً صالحة، يرجون تجارةً لن تبور، ليُوفِّيهم أجورهم ويَزِيدهم من فضله، إنه غفور شكور. بعَثَ الله نبيه بين يدي الساعة داعيًا إلى هداه، فبشَّر بكلِّ خير، وأنذَرَ من كلِّ شر،

اتَّقوا الله في جميع أمورِكم، وراقِبوه واخشَوْه في سائر أحوالكم، واعمَلُوا له أعمالاً صالحة، تَطِيب بها حياتكم، ويحسن بها مآلُكم، فإنَّ الله  تعالى  قد وعَد بذلك مَن كان كذلك، فوعَد ووعدُه الحقُّ،

وقال وقولُه الصدق: ” مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” [النحل: 97]،

وقال  تعالى : ” الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ “[الرعد: 29].

أيها المسلمون:

يُخطِئ كثيرٌ من الناس ممَّن قلَّ علُمه وقصر فهمُه، إذ يظنُّون أنَّ طيب الحياة وسعادة الأبد يتحقَّقان لِمَن كثُر مالُه، وتيسَّرت له مُتَعُ الدنيا الفانية، من شهيِّ المآكل، وبهيِّ الملابس، وعامِر القصور، وفارِهِ المراكب، وكثْرة الأموال المخزونة، والأتباع الذين يحفُّون بالشخص يعظِّمونه ويخدمونه، ولو خلا قلبُه من الإيمان أو ارتَكَب ما ارتَكَب من أنواع الكفر والفسوق والعصيان.

والحقيقة أيُّها المسلمون أنَّ هذا الظن لا يصدر إلاَّ عن مُعرِض عن تدبُّر القرآن، ولم يكن على علمٍ بما جاء عن النبيِّ  صلَّى الله عليه وسلَّم  في هذا الشأن من بيان، وإلاَّ فإنَّ مَن تدبَّر آيات القرآن واطَّلَع على السنة، وفهمها على نحو فهْم السلف الصالح من هذه الأمَّة  يتبيَّن له أنَّ التمتُّع بطيب المشتهيات، والتوسُّع في أمور الحياة  أمرٌ مشتركٌ بين المسلمين والكفار، والأبرار والفجار،

” كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا “[الإسراء: 20].

وقد ذكَر الله  سبحانه  في غير مَوضِعٍ من كتابه أنَّه يُعطِي الدنيا مَن يَشاء من أوليائه المؤمنين، ومن أعدائه المكذِّبين، وإنَّ من حكمة ذلك ابتلاء الطرفين، وإكرام المؤمنين الشاكرين، واستِدراج المكذِّبين الجاحِدين، وإنَّ ذلك كله واقِعٌ بمشيئته، وبمقتضى حكمته الدائرة بين الفضل على الشاكرين والعدل في الجاحدين،

” قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ “[سبأ: 36].

وقال  تعالى : ” إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ” [الإسراء: 30].

ومن بيان النبي  صلَّى الله عليه وسلَّم  أن بسط الرزق وسعته ليس دليلاً قطعيًّا على حظِّ مَن بُسِطَ له فيه،

ولا على سعادته ومحبَّة الله له  قولُه  عليه الصلاة والسلام : “”الدنيا عرَض حاضر يأكُل منه البرُّ والفاجر))،

وقوله  صلَّى الله عليه وسلَّم : “”إنَّ الله يُعطِي الدنيا مَن يحب ومَن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا مَن يحب، فمَن أعطاه الله الدين فقد أحبَّه)).

بل قد سمَّى الله  تعالى  المال الخالي عن صالح الأعمال فتنةً لصاحبه وعذابًا، ونهى  سبحانه  نبيَّه  صلَّى الله عليه وسلَّم  وأتباعه المؤمنين عن مَدِّ النظر إليه إعجابًا،

فقال  سبحانه : ” فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ” [التوبة: 55].

وقال  تعالى : ” إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ” [التغابن: 15].

وفي الصحيح عن النبي  صلَّى الله عليه وسلَّم  قال: “”إنَّ الدنيا حلوةٌ خضرةٌ، وإنَّ الله تعالى مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتَّقوا الدنيا واتَّقوا النساء)).

وهذا يقتَضِي من العاقل الحذرَ، وأنْ يعلَم أنَّه مع سَعَة الدنيا وبسطتها عليه محفوفٌ بالخطر، فضلًا عن أنْ يكون ذلك مِقياسًا لطيب الحياة والسعادة في الدارين، أو مغريًا على الإقامة على المعاصي مع الأمْن من عقوبة ربِّ العالمين.

أيها المسلمون:

وقد جاء في صحيح السنَّة أنَّ المكثِرين من المال هم الأقلُّون يوم القيامة، إلا مَن بذَلَها في عِباد الله من عن يمينه وشماله ومن خلفه وابتغاء وجه الله،

ففي البخاري عن أبي ذرٍّ  رضِي الله عنه  أنَّ النبي  صلَّى الله عليه وسلَّم  قال: “”إنَّ الأكثَرِين هم الأقلُّون يوم القيامة، إلاَّ مَن قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا، وقليلٌ ما هم)).

وجاء في صحيح السنَّة إنَّ من خطَر الغنى أنَّه يَعُوق أهلَه من دخول الجنَّة، أو السبق إليها إنْ كان من أهلها،

ففي الصحيحين عن ابن عباسٍ  رضي الله عنهما  عن النبي  صلَّى الله عليه وسلَّم : “”اطَّلعت في الجنة فرأيتُ أكثر أهلِها الفُقَراء)).

وفيهما عن أسامة بن زيد  رضِي الله عنه  عن النبي  صلَّى الله عليه وسلَّم  قال: “”وقَفتُ على باب الجنَّة فكان عامَّة مَن دخَلَها المساكين، وأصحاب الجَدِّ  يعني: الغنى  محبوسون، غيرَ أنَّ أهلَ النار قد أُمِر بهم إلى النار)).

وفي حديثٍ عند الترمذي بسندٍ حسنٍ عنه  صلَّى الله عليه وسلَّم  قال: “”يدخُل الفُقَراء الجنَّةَ قبلَ الأغنياء بخمسمائة عام))، وهذا يُفسِّر الذي قبلَه، وسببُه  والله أعلم  ما يتعلَّق بالأموال من حقوق، ويلحق أهلها بسببها من تبعات.

ومن المعلوم أيضًا أنَّ الدنيا وإنْ انبَسطَتْ واتَّسعَتْ، وأتَتْ صاحبها على ما يُرِيد، وأنواع المخاوف ومختلف الأضرار، وكلها مُنغِّصات للعيش، ومُكَدِّرات لصفْو الحياة، فلا يهذِّبها وينقيها ويصرف عن العبد شر ما فيها  إلاَّ الاستقامة على الدين، وأنْ يعيش المرء فيها مع ساعتها عِيشةَ الزاهدين، المُوقِنين بالرَّحِيل، والعرض على الرب الجليل.

وفي الصحيح عن النبي  صلَّى الله عليه وسلَّم  قال: “”قد أفلَحَ مَن أسلم وكان رزقُه كَفافًا وقنَّعَه الله بما آتاه)).

وفي الصحيحين عن النبي  صلَّى الله عليه وسلَّم  قال: “”اللهم اجعَلْ رزقَ آل محمدٍ قوتًا))، وهو ما يسدُّ الرمق.

وبذلك يتبيَّن أنَّ طيب الحياة، والسعادة بعد الممات، لا تكون بكثْرة الأموال وتنوُّع الممتَلكات، ولا بالتمكُّن من الشهوات، مع الغَفلة عن حقِّ ربِّ الأرض والسماوات، والمطَّلِع على الضمائر والنيَّات، وإنما تكون بطاعة ربِّ العالمين، المبنيَّة على الفقه في الدين، والإخلاص لله ومتابعة الرسول  صلَّى الله عليه وسلَّم  من العامِلين، وذلك بأداء فرائض الطاعات، وتكميلها بالنوافل المستحبَّات، واجتناب الكبائر المُوبِقات، والحذر من الصغائر المحقَّرات، وترك ما لا يعني واتِّقاء الشبهات، وسؤال الله الثبات على الحقِّ حتى الممات.

أيها المسلمون:

طيب الحياة وسعادة الأبد لا تُنال بكثْرة العَرَض، ولا بالإخلاد إلى الأرض، وإنما تُنال بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره شره، وحلوه ومره، وإخلاص الدين لله ربِّ العالمين، وإقام الصلاة والمحافظة عليها في المساجد مع جماعة المسلمين، وأداء الزكاة والحج والصيام، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وعِشرَة الزوجة بالمعروف، وحسن تربية الأولاد، وبسط اليد بالنفقات الواجبات والمستحبَّات على القرابات وذوي الحاجات، والإحسان إلى الأيتام والضُّعَفاء والمساكين، وإغاثة الملهوفين والمكروبِين والمنكوبِين، فإنَّ هذه الأعمال من خِصال أهل الإيمان والتَّقوى، الذين وعَدَهم الله بكلِّ خيرٍ في الدنيا والآخِرة.

قال  تعالى : ” وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ” [الطلاق: 2  3].

وقال  سبحانه : ” وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ” [الطلاق: 4].

وقال  تعالى : ” وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ” [الطلاق: 5].

وقال  تعالى  عند ذكْر النار: ” وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ” [الليل: 17  18].

وقال  سبحانه : ” تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ” [مريم: 63].

وقال  جلَّ ذكره : ” أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ” [يونس: 62  64].

لقد سبَق المتَّقون إلى كلِّ برٍّ، فحازوا كلَّ خيرٍ، من شرح الصدر ويسر الأمر، وذهاب الهم وانكِشاف الغم، والزيادة من صالح العمل، والسداد في القول، وبركة العمر، وسعة الرزق، والطهارة من سيِّئ الخلق، مع ما لهم عند الله من عظيم الأجر، ورفيع الذِّكر، ورفعة الدرجات، وحط الخطيئات، وبذلك تطيب الحياة وتتحقَّق السعادة من بين المخلوقات، وتُنال الغُرَف العالية من الجنَّات، والفوز برضوان ربِّ الأرض والسماوات.

فمَن اتَّقَى الله وأدَّى واجِبَ ما عليه من حَقِّ الله، وتزوَّد بنَوافِل العِبادات، وأكثَرَ من فعل المعروف وبذْل الصدقات فتَحَ الله له أبواب الرِّزق، ويسَّر له أسباب الكسب، وجعَل في قلبه القَناعة والرِّضا، اللذَيْن هم أغنى الغِنَى، ونعم المال الصالح للرجل الصالح، فالعمل الصالح هو همَّة التِّقي، والمال الصالح لا يستَغنِي عنه ولي،

والله  تعالى  يحبُّ المؤمن القوي، والغني التقي، ويحبُّ المؤمن المحترف، ويبغض الفارغ البطَّال، فمَن أخَذ المال من حلِّه، وأدَّى واجب حقِّه،

فنعم المعونة هو إذا لم يشغل عن طاعة الله، أو يبذل في معصية الله، فإنَّ المؤمن التقي الذي يعيش به في نفسه وأهله عيشة راضية مرضية، وحياة سعيدة زكية، قد قنَّعه الله بما آتاه، ومتَّعَه به متاعًا حسنًا في دنياه، ووفَّقَه للاستعانة به على طاعته، وبذَلَه في مرضاته، فقدَّم بين يدَيْه عملاً صالحًا طيبًا يرجو عليه ثواب الله،

فاتَّقوا الله أيها المؤمنون،

” وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ” [البقرة: 281].

وصلَّى الله وسلَّم علي نبينا محمد وعلى آله وأصحابه إلى آخِر الدهر.

في نهاية مقالنا هذا قدمنا لكم بعض الخطب القصيرة والتي تناولت العديد من الموضوعات، وإننا في موسوعة ميرال نيوز لنسعد بالرد على أراءكم واستفساراتكم ودمتم بخير.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إنضم لقناتنا على تيليجرام