لقد فاز يوشينوري أوسومي بجائزة نوبل في الطب عام ٢٠١٦ عن دراسته الرائدة في الالتهام الذاتي ، فمنذ اكتشاف الالتهام الذاتي عام ١٩٩٠ أصبح مفهومًا أساسيًا في مجال الطب والبيولوچيا الجزيئية ما هو الالتهام الذاتي Autophagy؟ إن المصطلح مشتق من الكلمات اليونانية auto والتي تعني ذاتيًا وphagein والتي تعني التهامًا ، وقد لوحظت فكرة الالتهام الذاتي أول مرة في ستينات القرن الماضي حيث تمكنت الخلايا من تدمير الجزيئات التالفة والبالية الموجودة بداخلها ، مستخدمة الإنزيمات الموجودة داخل الخلية في عملية تكسير وإعادة تدوير تلك الجزيئات .
اكتشافات أخرى مرتبطة بالالتهام الذاتي :
إن اكتشاف عملية الالتهام الذاتي كان مهمًا للغاية في المجال الطبي ، وكانت الاكتشافات السابقة لأوسومي تدور حول هذه الفكرة ، فقد فاز بجائزة نوبل عام ١٩٧٤ لتعرفه على الجسيمات الموجودة في الخلايا التي تقوم بعملية تنظيف الخلية من الجزيئات التالفة الغير مرغوب فيها .
وفي عام ٢٠٠٤ ذهبت جائزة نوبل في الكيمياء إلى اكتشاف العمليات الحيوية التي تساهم في التخلص من البروتينات الموجودة بالخلية ، والتي اعتُقِد ارتباطها بجسيمات الالتهام الذاتي Phagolysosome .
الالتهام الذاتي والصوم :
عندما فحص أوسومي التجويف الخلوي بعد تجويع الخلايا لاحظ تراكمًا كبيرًا لجسيمات الالتهام الذاتي (الحويصلات) في غضون ساعتين ، وعن طريق ذلك تمكن من تطوير وسيلة لفهم عملية الالتهام الذاتي ، مما يدل على أن الصيام يؤدي لتكوين خلايا الالتهام الذاتي وزيادة عددها بالجسم ، وهذا يؤدي لتطهير الجسم من كل الجزيئات الضارة ، وزيادة مناعته .
ما أهمية هذا الاكتشاف ؟
وقد أدى اكتشاف أوسومي إلى اكتشاف أن الالتهام الذاتي يقتل البكتيريا والڤيروسات التي تدخل الخلية ، كما يقوم بتدمير البروتينات والمكونات الخلوية التالفة مما يمنع الأمراض وبالتالي فإن هذه العملية تعمل كتقنية لضبط الجودة داخل الخلية.
الخلل في چينات الالتهام الذاتي :
تم التعرف على العديد من الأمراض التي تنتج عن خلل في چينات الالتهام الذاتي ، فالطفرات في تلك الچينات تؤدي إلى أمراض چينية كما أنها مرتبطة بالنوع الثاني من مرض السكري والشلل الرعاش وغيره من الأمراض التي تصيب كبار السن ، لذا فإن هذه الچينات تمثل هدفًا ممكنًا للعلاجات الحديثة.
إن عملية الالتهام الذاتي معروفة منذ ٥٥ عامًا إلا أن رغبة أوسومي في فهم العملية واكتشاف الچينات قد سرّع فرص توافر علاجات مستقبلية ، لذا فقد استحق جائزة نوبل في الفسيولوچيا أو الطب عن جدارة.
فرض الله علينا الصوم منذ زمن بعيد شهرا كل عام ، ليظهر لنا اليوم علماء يكتشفوا كيف أن الجزيئات الصغيرة تتأثر بهذا الصيام ، لتلتهم وتنظف وتنقي الخلايا من البقايا المتراكمة طوال العام ، ليضع الله لنا هذا الشهر كفترة صغيرة يراجع فيها الجسد نفسه ويعيد بناء جهاز مناعته ، فسبحان من أبدع في كل ذرة من خلقه .