إذا لم تكن تعمل في مختبر أو كنت عالمًا أو طبيبًا فإنك على الأرجح لم تسمع عن الماصة من قبل ، أو أنك رأيتها ولكن لا تدري فيما تستخدم ، ولكن أي شخص يعمل في المختبرات يعلم أن الماصة هي أحد أهم أدوات المعمل ، إن الماصة هي أداة تقطير ولكن لها القدرة على امتصاص كمية محددة من السوائل ، وهي الأداة الأكثر استخدامًا في البحوث الخاصة بالوراثة والكيمياء وعلم الأحياء الدقيقة .
وتتطلب الماصة في العصر الحديث الضغط على زر من أجل امتصاص الكمية المطلوبة من السائل ، ولكن في الماضي كانت الماصة الأداة الأكثر رعبًا في تاريخ أدوات المعمل ، حيث كان العلماء يستعملون أفواههم لسحب السوائل عن طريق شفطها إلى داخل الماصة .
ووفقًا لورقة بحثية قام بعملها المختبرات البحثية للجيش الأمريكي عام 1966 ، فإن واحدة من أقدم الأمثلة المسجلة في التاريخ عن مخاطر الماصة ، هي عندما قام أحد الأطباء في عام 1893م بامتصاص حفنة من بكتريا التيفويد في فمه عن طريق الخطأ ، وقد أبدى العلماء في هذا البحث إعرابهم عن القلق من أن الماصة قد تتسبب في استنشاق الأبخرة المنبعثة من السوائل وخاصة المواد المشعة حتى لو لم يلامس السائل فم العالم .
ومن الملفت للنظر أن الماصة التي تستخدم عن طريق الفم ظلت تستخدم في المعامل حتى فترة الستينيات بالرغم من مخاطرها ، وقد قام عدد قليل من المؤسسات العلمية بمنع العلماء من استخدام أفواههم لنقل السوائل ، وقد ذكرت الورقة البحثية أن تجنب مخاطر الماصة أمر في غاية البساطة ، كما ذكرت الورقة أيضًا أن العالم لورنس بارتيل وهو أحد الذين عملوا في مشروع منهاتن النووي الأمريكي ، قد قام بتناول مادة البلوتونيوم عن طريق الماصة – ولحسن الحظ أنه عاش حتى يروي تلك الحكاية .
وقد تم اختراع الماصة لأول مرة من قبل العالم لويس باستير ، وهو أحد العلماء الذين أثبتوا صحة النظرية الجرثومية ، حيث كان العلماء لمئات السنين يشتبهون في وجود البكتريا ولكن لم يستطع أحد إثبات وجودها حتى قام باستير بذلك ، عن طريق دراسة عملية تخمر الحليب والنبيذ عن قرب ، وكانت نتيجة أبحاث باستير ذات شقين ، الشق الأول هو بالطبع تطوير طريقة البسترة ، والشق الثاني هو اختراع الماصة ، وقد كانت ماصة باستير تتكون من أنبوبة زجاجية رفيعة تنتهي بماصة مطاطية ، وقد كان يستخدمها لنقل السوائل من مكان لآخر داخل المعمل لحمايتها من التلوث ، ولم تكن ماصة باستير دقيقة في قياس السوائل مثل الماصات الحديثة ، إلا أنها مازالت تستخدم حتى الآن .
أما الماصة الحديثة فقد تم اختراعها عن طريق هاينريش سنيتر ، وقد كان جندي في الجيش الألماني ، وقد أصابه مرض السل أثناء الحرب العالمية الثانية ، ولذلك قرر دراسة الطب ليتابع حالته الصحية ويتخلص من الأطباء غير الأكفاء ، ولكن سنيتر حين بدأ في أبحاثه أزعجه بطء الماصات الموجودة في ذلك الوقت ، كما أنه شعر بالاشمئزاز من طريقة مص السوائل عن طريق الفم ، ولذلك قام بتطوير ماصة أخرى ذات مكبس في نهايتها لامتصاص السوائل كما أنها كانت دقيقة جدًا في القياس فكانت تقيس السوائل بمقياس الميكروليتر ، وقد تم عمل تعديلات بسيطة على تلك الماصة ، وقد تم ترخيص هذا التصميم من قبل شركات الإمدادات الطبية ويتم استخدامه حتى الآن .