أيام ويهل علينا شهر الرحمة والمغفرة, شهر رمضان, وهو خير الشهور عند الله وأفضلها, شهر تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار, فهو شهر القيام والصيام وتلاوة القرآن والصدقات وإجابة الدعاء, شهر تتضاعف فيه الحسنات وتغفر فيه السيئات, وهو أحد أركان الإسلام, وفيه يجود الله على عباده بشتى أنواع العطاءات والكرمات, يقول رب العزة (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة 185
فضل الصيام
- الصيام يهذب النفس ويقيها من الوقوع فى المعاصي ويكسر حدة الشهوة وذلك فى الدنيا أما فى الآخرة فإنه وقاية للإنسان من عذاب الله.
- يجعل الصيام المسلم يشعر بحاجة أخيه المسلم لأنه يقضي أوقات طويلة يمسك نفسه عن الشهوات والأكل والشرب, فتتولد فى نفسه أهمية الإحساس بتلك النعم.
- الصيام أحد أسباب دخول الجنة ( من باب الريان) الذي أعده الله للمداومين على الصيام.
- الصيام منسوب إلى الله تعالى لبيان شرف ومكانة تلك الفريضة, يقول رب العزة فى الحديث القدسي
(كل عملِ ابنِ آدمَ يُضاعفُ الحسنةَ عشرةَ أمثالها إلى سبعمائةِ ضعفٍ . قال اللهُ عزَّ وجلَّ : إلا الصومُ . فإنَّهُ لي وأنا أجزي بهِ . يَدَعُ شهوتَه وطعامَه من أجلي). - الصيام مبعث لسعادة وفرحة المسلم فى الدنيا والآخرة, يقول الرسول صلى الله عليه وسلم
(للصائمِ فَرْحتانِ يفرَحْهُما إذا أَفطرَ فَرِحَ، وإذا لقي ربَّه فَرِحَ بصومِهِ). - الصيام يبعد المسلم عن عذاب جهنم, يقول النبي صلى الله عليه وسلم (من صامَ يومًا في سبيلِ اللَّهِ ، بعَّدَ اللَّهُ وجهَهُ عنِ النَّارِ سبعينَ خريفًا).
- يأتي الصيام يوم القيامة شفيعا لصاحبه.
- الصيام يكفر ذنوب العبد.
- يعتبر الصيام جزء من كفارة بعض الذنوب, مثل كفارة اليمين وهى صوم 3 أيام.
فضل العشر الأواخر من رمضان
لا شك أن فضل العشر الأواخر من رمضان كبير وعظيم, فكان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد من الطاعة فى هذه الأيام, فعن عائشة رضي الله عنها قالت (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يجتهدُ في العشرِ الأواخرِ ما لا يجتهدُ في غيرِه).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجَدَّ وشدَّ المئزر)
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حرصا منه على أغتنام تلك الليالي يوقظ أهله للذكر والصلاة, وكان يترك الجماع ويعتزل النساء ويجد ويجتهد فى العبادة و يداوم على الاعتكاف.
سر الاجتهاد فى العشر الأواخر
1- أن الأعمال بخواتيمها, وهذه العشر هى ختام الشهر الفضيل, فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول (اللهم اجعل خير أيامي يوم ألقاك، وخير عمري أواخره، وخير عملي خواتمه).
2- أن ليلة القدر المباركة فى هذه العشر لذلك تلتمس فيها.
الأعمال التي يجب الحرص عليها فى العشر الأواخر
1- قيام الليل
هو الاستغراق بالسهر فى الذكر والصلاة والطاعات التي نتقرب بها إلى الله تعالى, ومن المؤكد أن قيام الليل من الأمور التي يجب الحرص عليها كي ننال رحمة الله جل شأنه, ورسول الحبيب كان يقوم الليل حتى تتورم قدماه, يقول تعالى ( كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) الذاريات 17, ومن طال قيام الليل هون الله عليه قيام يوم القيامة.
2- الاعتكاف
يكون الاعتكاف فى المساجد طلبا لليلة القدر, فلا يخالط الناس وينشغل بهم, والحكمة من الاعتكاف هى صفاء القلب والروح وصرف كل أمر يفسد اجتماعه على طاعة الله, يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب )، والاعتكاف ليس له مدة معينة وأقله ليلة أو 24 ساعة,
والمعتكف يخرج من المسجد للضرورة كالغسل من الجنابة إذا احتلم أو لقضاء الحاجة أو لجلب الطعام, وفى المقابل لا يتبع الجنائز ولا يخرج لزيارة مريض, ولا يحبذ استخدام الجوال إلا فى الاطمئنان على الأهل فقط, وله ان يخرج لعمله, أما بالنسبة للمرأة المعتكفة فيجب عليها الاستئذان من زوجها, وألا تكون نفساء أو حائض وان يكون مكان الاعتكاف مأمونا, والاعتكاف فيه تجديد للإيمان وكان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم رغبة فى أصابة ليلة القدر, فلا تحرم نفسك أجر الاعتكاف وإن قصرت مدته.
3- قراءة القرآن
من أعظم الأعمال وأجلها قراءة القرآن وتدبر آياته فى خشوع والأخذ بنواهيه وأوامره, يقول تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ) البقرة 185
وكان النبي يتدارس القرآن مع جبريل فى كل يوم من أيام رمضان, وقد وجهنا إلى فضل القرآن إذ قال عليه الصلاة والسلام ( اقرأوا القرآن فإن لكم بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها أما إني لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف) ويقول أيضا صلى الله عليه وسلم ( يؤتي يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما ).
4- الزكاة
ولكي يعظم الله الأجر ويجزل للصائم الثواب ختم فريضة الصوم بأداء الزكاة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (“صدقة الفطر طهرة الصائم من اللغو والرفث وطعمة المساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات).
وزكاة الفطر تجب على الفقير والغني, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صاع من بر أو قمح على كل صغير أو كبير حر أو عبد، ذكر أو أنثى غني أو فقير، أما غنيكم فيزكيه الله، وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى).
تحري ليلة القدر
الاجتهاد فى العبادة والأعمال الصالحة للفوز بليلة القدر فى الوتر من العشر الأواخر من رمضان, عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال“تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان”
فاحرص على قيام ليلة القدر واغتنم الفرصة, فكن لله ذاكرا ومسبحا وقارئا قرآنه, وان اضطررت الى تأجيل جميع أعمالك لتحظى بإدراك ليلة القدر والذي ثوابها يعادل 83 سنة, يقول الله تعالى ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) القدر 3.
سبب تسميتها بليلة القدر
- القدر وهو الشرف أي أن هذه الليلة ذات شرف ومكانة عظيمان.
- يكتب فيها قدر كل أنسان وما يجري فى ذلك العام وذلك لحكمة بالغة يختص وينفرد بها الله تعالى.
- العبادة فيها لها أجر وقدر عظيم, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ).
خصائص ليلة القدر
- نزول القران الكريم فيها من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا, يقول تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) القدر 1.
- توصف بأنها خير من ألف شهر, يقول تعالى (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) القدر 3. توصف بأنها ليلة مباركة, يقول تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ) الدخان.
- ينزل فيها الروح (جبريل عليه السلام) ويكثر نزول الملائكة فى هذه الليلة لكثرة بركتها, يقول تعالى( تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ).
- توصف بالسلام, فلا يستطيع الشيطان ألحاق الأذى أو السوء فيها كما يكثر فيها السلامة من العذاب والعقاب, يقول تعالى (سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ).يغفر الله تعالى فى هذه الليلة ممن يقومها إيمانا واحتسابا. يدون فيها الأقدار والأرزاق التي ستكون عليها هذه السنة والتي لا تبديل ولا تغيير فيها, يقول تعالى( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) الدخان
علامات ليلة القدر
- قوة النور والإضاءة فى البر بعيدا عن الأنوار.
- انشراح الصدر وطمأنينة القلب.
- يكون الجو مناسبا لا رياح ولا عواصف.
- أن يحلم الإنسان بهذه الليلة كما حدث مع بعض الصحابة.
- يجد الإنسان لذة فى القيام.
- طلوع الشمس صافية لا شعاع لها.
- قال الرسول صلى الله عليه وسلم فى وصف ليلة القدر(ليلة القدر ليلة بلجة ” أي مضيئة ” ، لا حارة ولا باردة ، لا يرمى فيها بنجم ” أي لا ترسل فيها الشهب )
وأن لا نغفل الليلة الأخيرة من رمضان فى العبادة وصالح الأعمال ففي هذه الليلة يغفر الله الذنوب ويعتق رقاب من أرتضى عملهم ويوزع جوائزها الربانية على من اجتهد وجد فى العبادة, وعلى من أراد الله به خيرا ووفقه فى إدراك ليلة القدر أن يكثر من الدعاء, عن عائشة رضي الله عنها قالت ( قلت يا رسول الله: أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟! قال: «قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» .