عندما يقترب شهر رمضان، يتوجه قلب المسلمين نحو استقباله بفرح وترقب. فهذا الشهر المبارك يعد فرصة لتجديد العبادة والتقرب إلى الله، ويحمل في طياته أجواءً مميزة من الروحانية والتأمل. وفي صباح أول أيام رمضان، كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يلقي خطبةً خاصة للترحيب بقدوم هذا الشهر العظيم.
كانت خطبة النبي في استقبال شهر رمضان تحمل في طياتها العديد من العظات والتوجيهات الهامة للمسلمين. كانت تلك الخطبة فرصة لتذكير المؤمنين بأهمية الصيام والعبادة خلال هذا الشهر الفضيل، ولنشر القيم الإسلامية والأخلاق الحميدة.
في بداية خطبته، كان النبي يحمد الله تعالى ويشكره على منحهم فرصة لاستقبال شهر رمضان، ويذكر المؤمنين بأن هذا الشهر هو شهر الرحمة والمغفرة. كما كان يوجه الناس للتفكر في قدرة الله وعظمته، ويذكرهم بأن هذا الشهر يتيح لهم الفرصة للتوبة والاستغفار والتخلص من الذنوب.
ثم كان النبي يوجه المسلمين للتفكر في قيمة الصيام وفوائده المتعددة. كان يذكرهم بأن الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو فرصة لتطهير النفس وتحقيق السيطرة على الشهوات والغرائز البشرية. وكان يشدد على أهمية الصيام في تعزيز الإيمان وتعميق الوعي بقرب الله، واليكم الخطبة مكتوبة.
اللَّهمَّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّد؛ أيّها الناس إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيّامه أفضل الأيّام، ولياليه أفضل اللّيالي، وساعاته أفضل السّاعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فسلوا الله ربّكم بنيّات صادقة، وقلوب طاهرة أن يوفّقكم لصيامه، وتلاوة كتابه، فانَّ الشقيَّ من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدَّقوا على فقرائكم ومساكينكم ووقّروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضّوا عمّا لا يحلُّ النّظر إليه أبصاركم، وعمّا لا يحلُّ الاستماع إليه أسماعكم، وتحنّنوا على أيتام النّاس يتحنّن على أيتامكم، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم . وارفعوا إليه أيديكم بالدّعاء في أوقات صلواتكم، فإنها أفضل السّاعات, ينظر الله عزَّ وجلَّ فيها بالرَّحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، ويلبيّهم إذا نادوه ويستجيب لهم إذا دعوه. أيّها النّاس إنَّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكّوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم فخفّفوا عنها بطول سجودكم، واعلموا أنَّ الله تعالى ذكره أقسم بعزَّته أن لا يعذِّ بالمصلّين والسّاجدين، وأن لا يروّعهم بالنّار يوم يقوم النّاس لربّ العالمين .. أيّها النّاس من فطّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشّهر, كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه، قيل: يا رسول الله وليس كلّنا يقدر على ذلك، فقال عليه الصلاة والسّلام: اتّقوا النار ولو بشقّ تمرة، اتّقوا النار ولو بشربة من ماء، أيُّها الناس من حسّن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جوازاً على الصّراط يوم تزلُّ فيه الأقدام، ومن خفّف في هذا الشهرعمّا ملكت يمينه، خفّف الله عليه حسابه، ومن كفَّ فيه شرَّه كفَّ الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رَحِمَه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رَحِمَه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تطوَّع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النّار، ومن أدَّى فيه فرضاً كان له ثواب من أدَّى سبعين فريضة فيما سواه من الشّهور، ومن أكثر فيه من الصّلاة عليّ ثقّل الله ميزانه يوم تخفُّ الموازين، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشّهور، أيُّها الناس إنَّ أبواب الجنان في هذا الشّهر مفتّحة، فسلوا ربّكم أن لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلّقة, فسلوا ربّكم أن لا يفتحها عليكم، والشيّاطين مغلولة فسلوا ربّكم أن لا يسلّطها عليكم.
كما كان النبي يوجه المسلمين للتفكر في قيمة العبادة والقرب إلى الله في هذا الشهر الفضيل. كان يحثهم على تلاوة القرآن والاستماع إليه وفهم معانيه، وكذلك على أداء الصلوات الخمس والتطوع فيها. وكان يشدد على أهمية الإحسان والتسامح والعطاء في رمضان، ودعا المسلمين للتكافل الاجتماعي ومساعدة المحتاجين.
وفي ختام خطبته، كان النبي يدعو الله أن يبارك للمسلمين في هذا الشهر وأن يقبل منهم الصيام والعبادة. وكان يدعوهم للاستغلال الأمثل لهذه الفرصة العظية ولتحقيق التقوى والتطهير الروحي. كما كان يشجعهم على الاجتهاد في العبادة والاجتماع الخيري والنصح للآخرين.
إن خطبة النبي في استقبال شهر رمضان تحمل في طياتها عظات وتوجيهات مهمة للمسلمين. فهي تذكرهم بأن رمضان هو شهر الصيام والعبادة والتقرب إلى الله، وتحثهم على استغلال هذه الفرصة لتحقيق التطهير الروحي وتعزيز الإيمان. وتذكرهم بأهمية العطاء والتسامح والتكافل الاجتماعي في هذا الشهر الكريم.
لذلك، يجب على كل مسلم أن يستمع إلى خطبة النبي في استقبال شهر رمضان بقلب مفتوح وعقل يستيعب العظات والتوجيهات القيمة التي تحملها. فهي تعد دليلًا لنا للتعامل المثلى مع هذا الشهر الفضيل وتحقيق أقصى استفادة منه في تطويرنا الشخصي وتعزيز علاقتنا بالله وبالآخرين.
فلنستعد لاستقبال شهر رمضان بفرح وترقب، ولنجعل منه فرصة للتجديد الروحي والتقرب إلى الله بالصيام والعبادة والأعمال الصالحة. ولنعمل جاهدين على تحقيق السلام والسعادة والتعاون في هذا الشهر الكريم، ولنسعد بالثواب العظيم الذي وعدنا به الله لمن يجتهد في طاعته خلال هذا الشهر المبارك.