كنت أقضي أحد الأيام من أواخر شهر يوليو في مدينة نيويورك ، في غرفة بالطابق العلوي في مبنى مكون من أربعة طوابق ، وقد قمت بتثبيت جهاز تكييف في الغرفة حيث أن درجة الحرارة في ذلك اليوم كانت قد وصلت إلى 90 درجة فهرنهايت مع وجود كمية كبيرة من الرطوبة ، وقد كافح جهاز التكييف الصغير لتبريد الغرفة بصعوبة ، وبالرغم من ذلك لم أكن قادرًا على النوم بدون غطاء ، وقد استخدمت إحدى صفحات الجريدة التي بالكاد غطت جذعي ، والسؤال هنا لماذا يجب أن نغطي هذا الجزء من أجسامنا على الأقل حتى نتمكن من النوم ؟
إن استخدام البطانيات أثناء النوم أمر شائع في كثير من أنحاء العالم ، على الأقل في العصر الحديث ، ولكن من الناحية التاريخية فإن ارتفاع تكلفة نسج الأغطية الكبيرة ، جعل البطاطين حكرًا على الأثرياء ، وقد كانت الأغطية تصنع من الكتان في مصر القديمة ، ومن الصوف في الإمبراطورية الرومانية ، ومن القطن في أوروبا في العصور الوسطى .
وبحلول أوائل العصر الحديث في أوروبا زاد إنتاج أغطية الأسرة وأصبح أكثر الناس من الطبقة المتوسطة يملكون أغطية للآسرة ، ويقول المؤرخ روجر إكيرتش الذي كتب عن النوم على نطاق واسع : ” كان السرير في هذا الوقت أغلى مادة في المنزل ، وكان أول بند رئيسي يشتريه الزوجان في المنزل ، وكان السرير والفراش يمثلان ثلث القيمة الإجمالية لممتلكات السرير ، وهذا يفسر لماذا كان يتم إدراج فرش الآسرة ضمن وصية الأسرة ” .
أما في العصر الحديث فقد كان هناك العديد من الأبحاث عن البطاطين وتأثيرها المهدئ على الجسم ، وتشير بعض الدراسات إلى أن البطاطين يمكن أن تحد من القلق كما يمكن استخدامها في علاج التوحد .
تقول الدكتورة أليس هوجلاند مديرة عيادة الأرق في مركز وحدة اضطرابات النوم في روتشستر بنيويورك : “إن الجسم يحتاج للبطاطين لسببين أحدهما عنصر سلوكي و الثاني عنصر فسيولوجي ” ، وهذا الأخير هو أكثر وضوحا قليلا، لذلك دعونا نبدأ به أولا .
يبدأ الجسم في فقدان جزء من درجة حرارته قبل الموعد اليومي للذهاب للفراش بحوالي من 60 إلى 90 دقيقة ، وفي الحقيقة فإن العلاقة بين درجة حرارة الجسم والشعور بالنعاس علاقة وثيقة ، حيث أن الجسم حين ترتفع درجة حرارته ينتبه ، بينما حين تنخفض الحرارة يشعر بالنعاس ، وعند اقتراب موعد النوم تقل درجة حرارة الجسم بمعدل درجتين تقريبًا وذلك نتيجة لإفراز هرمون الميلاتونين ، وهو الهرمون المسئول عن النعاس .
ويقضي الإنسان حوالي 8 ساعات في النوم يوميًا ، وقد وجد الباحثون أنه في خلال الساعات الأربع الأولى من النوم والساعة السابقة لهم ، تنخفض درجة الحرارة الجسم بمعدل درجتين ،أما في الأربعة ساعات الأخرى – وهي فترة النوم العميق والتي تحدث فيها الأحلام – فنجد بعض الظواهر الفسيولوجية تحدث في الجسم ، و أول هذه الظواهر هي أن الجسم لا يستطيع تنظيم درجة حرارته ذاتيًا أثناء تلك الفترة ، وتصف الدكتور أليس هذه الحالة بأن الإنسان يتحول إلى زاحف ، لأن الزواحف لا تستطيع ضبط درجة حرارة جسمها ذاتيًا ، ولكنها إذا شعرت بالبرد فعليها أن تبحث عن الشمس.
وإننا نجد أنه حتى في المناخات الساخنة بشكل دائم فإن درجة الحرارة تنخفض ليلًا وخاصة في فترة الفجر ، وفي تلك الفترة تكون أجسادنا غير قادرة على التكيف ذاتيًا مع انخفاض درجة الحرارة ،ولذلك فإننا نحتاج إلى وسيلة خارجية لتنظيم درجة حرارة أجسادنا ، وحتى إذا كنت لا ترى أنه من الضروري أن تستخدم البطانية في الساعة 10 مساءًا ، فإنك بحلول الساعة 4 فجرًا ستجد أنك ترتجف وسوف تحتاج إليها .
والظاهرة الأخرى التي تحدث في فترة النوم العميق هي أن إفراز هرمون السيراتونين يقل في الجسم ، والسيراتونين هو ناقل عصبي مسئول عن الشعور بالهدوء والسعادة ، وقد وجد العلماء أن استخدام البطاطين يؤدي إلى زيادة إنتاج الدماغ للسيراتونين ، ولذلك فإننا نحتاج للبطاطين أثناء النوم .
وتضيف هوجلاند أن السبب الآخر لحاجتنا إلى البطاطين أثناء النوم هو نوع من التكيف حيث أننا اعتدنا أن يضع أبائنا البطاطين علينا عند النوم ، لأن التنظيم الحراري عند الرضع أسوأ من البالغين ، لذلك فإن البطاطين ترتبط في أذهاننا بعملية النوم .
و قد يكون هناك سبب أخر مرتبط بأن البطاطين لينة وتجعلنا نشعر بحالة جيدة ، ولكن حتى الآن لا يوجد دراسات تشير إلى هذا الأمر .