الوحدة من الفاهيم الهامة التي تعني التماسك والترابط والتعاضد، حيث تصبح الأشتات المتفرقة، والأواصر المتبعثرة، كياناً واحداً متماسكأً كشخصٍ واحد، يجمعه ذات الهدف الأشمل وإن اختلفت مسالكهم في الحياة، فالجميع يشكل لبنة في بناء الخير في المجتمع بالطريقة التي كتبت الأقدار عليه أن يكون مشتغلاً بها أو عاملاً في سبيلها.
معنى الوحدة
يمكن تعريف الوحدة باجتماع عدد من الأشخاص المتفرقين في الأصول أو الدين أو الطائفة أو التوجه أو العمر على هدف واحد، وتحقيق مصلحة واحدة، بحيث يصبح الجميع كفريق واحد يتجاوز المسائل الشخصية، والأنانية الفردية لكل واحد منهم، تقديما للجماعة والوحدة على التشطي والتنازع.
الوحدة في الإسلام
جاء الإسلام بتكريس خصال الخير، ومبادئ الصواب والعدل، وقد أبقى الأخلاق الفاضلة التي كانت قبل مجيئ الإسلام إقراراً بصحتها، ونهى وزجر عن الأخلاق السيئة التي كانت قبله، وعزز من رفعة الوحدة وقيمتها لدى الأفراد والمجتمعات، وأوجب ذلك بين المسلمين، وحرض على ذلك، وجعله من سبل دخول الجنة والنجاة من النار، فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون).
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم منذ وصوله المدينة مهاجراً من مكة أول ما بدأ أمره، آخى بين المهاجرين والأنصار وجمع بينهم، حتى أنهم تقاسموا أموالهم فيما بينهم، وتقاسموا أزواجهم، بحيث يطلق بعضهم بعض أزواجه فيتزوجها أخاه الآخر، وقد بين رسول الله الشكل الذي لا بد أن يكون مظهراً للوحدة بقوله (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) أو قوله (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) في دلالة على التلاحم والترابط.
بل حث النبي صلى الله عليه وسلم على الاجتماع والتوحد ولو كان المتوحدون نفرٌ قليل، فقال (لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم) لجمع الكلمة والتوحد، كما أنه بين أن ذلك من أمر الله له وفي ترك ذلك المعصية فقال: (وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن: السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع).
وجعل الإسلام المؤمن والمؤمن بوحدتهما رجل واحد، فمن لم يسع لذلك كان منقوص الإيمان، وربط ذلك بالتوحد على الخير والبعد عن الشر، فقال الله تعالى (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ولكنه جعل ذلك على وحدة الخير لا الشر وضبط ذلك (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، ونفر من التنازع والتفرق لأنه سبيل الضياع، وذهاب القوة والألفة والمحبة، وهو طريق الشيطان المرغوب، فقال (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين).
أهمية الوحدة
للوحدة الكثير من الأهمية، ويمكننا الكتابة فيها بشكل مستفيض لكثرة ما فيها من حديث، ولكن لمحدودية المقالات أو الموضوعات فإننا نجمل أبرزها:
* في الوحدة امتثال لأمر الله تعالى ونداء نبيه صلى الله عليه وسلم وتحقيق سعادة الدنيا وفلاح الآخرة من دخول الجنة والبعد عن النار بطاعتهما.
* تقود الوحدة إلى قوة الفرد وشعوره بالاعتزاز بذاته لأن الجميع يحبونه، فهو جزء وفرد من هذا المجموع الكبير الذي انتمى له وأخلص في شد عراه.
*الوحدة تؤسس إلى قوة المجتمع عصاة ضخمة تتكون من مجموعة من العصي المتماسكة يعسر كسرها، لكن إن تفرقت كسرت واحدة خلف الآخرى، لذلك يظهر المجتمع بمظهر الثبات والتماسك ما يجعله عصي على محاولت تدميره وتفتيته، من أي قوة كانت صغيرة أو كبيرة.
* تساعد الوحدة في بناء المنظومة الأخلاقية والسلوكية للمجتمع وضرب النموذج الأمثل في ذلك، كما أنها تعلي من قيم التعاون والوفاء والمحبة والألفة بين جميع أبناء المجتمع.
* من الأمور الهامة التي تنتجها الوحدة القوة في تدبير الأمور والكفاءة في أدائها بسبب تبادل المعارف والخبرات لدى الأفراد، فكل واحد يتكفل بجانب يتقنه ما يظهر الصورة بطبيعتها المتكاملة القوية.
* الحفاظ على الروح المعنوية للمجموع المجتمعي ككل، وقذف الرهبة في قلوب الأعداء والمتربصين بالبلاد ككل، وتجسيد معاني الرفعة بين المجتمعات.
السبيل لتحقيق الوحدة
عند الاطلاع على الوحدة وأهميتها وقيمتها العظيمة، يتبادر للفاهمين السؤال التالي، ما السبيل لتحقيق الوحدة؟! ويمكننا أن نستشف من خلال الاستقراء بعض هذه السبل وأهمها ومنها:
* التركيز على الأمور التي تجمع القوى، والبعد عن نقاط التشرذم والخلاف غير الجوهرية، وذلك من خلال متابعة العقيدة الإسلامية الصحيحة، والتزام حبل الله تعالى من تعاليم القرأن وفعل الطاعات وترك المعاصي، فلا يصح التوحد على أسس قومية أو حزبية بل على أساس الإسلام.
* التركيز على قيم الخير كالتعاون على البر والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتصويب المخطئ، وتعضيد المصيب، ومتابعة العلماء المبصرين بمكامن الخير والتحذير من دعاة التشرذم.
*بناء الجيل الصغير وتربيته على محبة الآخرين، والتأسيس لمجالس للأعيان والكبار للتحريض على الوحدة والتنفير من التفرق، وتأسيس الكثير من النشاطات التي يتشارك الجميع في إنجازها.
قدمنا لكم موضوع تعبير عن اهمية الوحدة، لما فيها من خير كبير، ليسعى كل واحد منا لتعزيز ثقافتها والتحذير من نقيضها، ففي ذلك نجاة سفينة مجتمعنا أو غرقها.
