يوم في عالم الخواتم والمسابح

يوم في عالم الخواتم والمسابح
العراق

هواتها من الأغنياء والفقراء ولصوصها ظرفاء حيث إن اقتناء المسابح النادرة هواية قديمة وهي خاصة بالرجال في اغلب الاحيان، تتأثر سلبا وايجابا بالظروف الاقتصادية للبلد، فان كانت السيولة المادية للمواطنين جيدة، ازداد الاقبال عليها، وان كانت الحياة تمر بركود تتراجع، و ينطبق ذلك على هواية شراء الخواتم ايضا، التي يعدها البعض مكملة لزينة الرجل لاسيما في المناسبات الاجتماعية التي يلتقي بها الاصدقاء والاقارب والجيران.

يوم في عالم الخواتم والمسابح
العراق

النفيس والرخيص
علي حسون الساعدي صاحب محل لبيع المسابح والخواتم، يجلس كل يوم منذ الساعة التاسعة صباحا حتى الثالثة ظهرا في هذا الدكان الصغير الذي يقع بجوار المدرسة المستنصرية القديمة، توارث محله عن ابيه الذي يعمل في المهنة منذ العام 1940 الى وقتنا الحاضر، من اشهر المسابح التي يتم طلبها حسب رأيه (( اليسر، السندلوس، النارجيل والكهرب))، والنوع الاخير هو المرغوب من قبل المشترين، والكهرب نوعان: نوع عادي يباع بسعر زهيد، والكهرب الالماني الذي يصل سعر مسبحته من نوع (33 خرزة) الى مليوني دينار، وهذا النوع الممتاز لايقتنيه سوى اصحاب الدخل العالي من المدراء والمسؤولين والتجار الاثرياء ، اسعار المسبحات بصورة عامة تبدأ 1000دينار او 500 وتنتهي بـ(5 ملايين دينار)، والبعض يفضل المسبحة كهدية على كل الهدايا الاخرى مهما كانت ثمينة ونادرة.

من الذكريات الجميلة التي يتذكرها علي حسون الساعدي زيارة المصارع العراقي الشهير عدنان القيسي بصحبة المصارع الفرنسي الفارع الطول ( جون فريري) الى محله في سوق هرج وازدحام الناس لمشاهدة المصارع عدنان القيسي الذي كان في فترة السبعينيات اكثر شهرة من الوزراء والمسؤولين في الدولة وحتى الفنانين المعروفين، اشترى فريري مسبحة منه كذكرى. ولا ينسى الساعدي زيارة الوفد الإيطالي لمحله عام 1992 وشراء احدهم مسبحة بسعر (10 دولارات) لكنه اشتبه ودفع ورقة من فئة ال(100 دولار)، لكن والده الذي كان يدير المحل آنذاك تفقد الورقة فوجدها اكثر من السعر المطلوب بكثير، فلحقهم إلى مسافة بعيدة وارجع المتبقي من المبلغ لصاحبه واخذ ثمن المسبحة فقط، استغرب الوفد الإيطالي من هذه الأخلاق العراقية النبيلة وأمانة العراقيين وفي ظروف اقتصادية صعبة كان يمر بها العراق، قال احدهم: سأنقل هذه الحكاية الى إيطاليا بعد رجوعي من السفر، لأنها تحتوي على دروس إنسانية يستفيد منها ابناؤنا في مشوار حياتهم.

جبار حسين موظف متقاعد من مواليد العام 1930 يحتفظ بمجموعة من المسابح النادرة التي لا تقدر بثمن في الوقت الحالي، بدات هواية جمع المسابح عنده في فترة الشباب واستمرت إلى الوقت الحاضر، حدثت له مشاكل كثيرة مع زوجته وصلت الى الطلاق بسبب حبه المبالغ فيه الى المسابح وأنواعها المميزة، في احدى المرات اعجب بمسبحة ذات خرز ملونة تشع في الظلام وتعطي رائحة طيبة عند التسبيح فاشتراها بكامل راتبه ما ادى الى خصام قوي مع زوجته ، ومرت عليه ظروف حياتية صعبة لم يجرا على بيع مسبحة واحدة من تلك المسابح النادرة الغالية، بينما باع الكثير من ملابسه الثمينة، واثاث بيته بأرخص الأثمان، يحتفظ حاليا بـ(1000) مسبحة داخل صندوق مرصع بالشذر النادر، وكلما ضاق صدره فتح هذا الصندوق العجائبي وارتاحت نفسه واستعادت مجدها القديم.

لصوص المسابح ظرفاء، فهم لايسطون على بيت ولا يتسلّقون السياج ولا يقتلون طفلا ولا امرأة، وكلّ ما يفعلونه انه حين يشاهدون مسبحة من النوع الممتاز في يد احد الرجال المتواجدين في حفلة عرس او مأتم، يتقربون اليه بكلّ ودّ ومحبّة ويتعرفون عليه ويسالونه عن اسمه وعمله وماذا يحب واين يتواجد ومن ثم يقولون له ما اجمل هذه المسبحة التي يحملها ويثنون عليه بالقول: انك رجل ذواق ولون مسبحتك ملائم للثياب التي ترتديها ومتناسق مع الخاتم الذي يشع في يديك، وفي صخب الطقس الاجتماعي ينسى المسكين مسبحته التي اشتراها بثمن غال، وفي رمشة عين يختفي ذلك اللص الظريف، وعندما يتفقد المسروق مسبحته ويسأل عنها لايجد جوابا.

أسباب كثيرة هي الأسباب التي تقف وراء الشغف بهذا العالم وتلك الهواية وربما يفسرها البعض كنوع من التسلية والعزاء للمواطن المحروم من الخدمات وسبل الترفيه القليلة يبعد صاحبه عن صداع الرأس والهموم اليومية التي تحاصره، والقسم الأكبر من الهواة يعتبرون المسبحة والخاتم من المكملات الضرورية للأناقة وعرض المستوى الاجتماعي الميسور. والبعض يقتنيها لأسباب روحية وتعبدية ومنهم الحاج حسين محمد الذي يبلغ من العمر 70 عاما وهو من هواة الخواتم الفضية، دأب منذ شبابه المبكر على شرائها والاحتفاظ بها، وهو لا يخلع خاتمه الفضي من يمينه الا في حالات نادرة، ويرى في لبس الخاتم (سنة نبوية) حيث كان الرسول(ص) يتختم في اليمين حسب الروايات، ويجد في لبسها مسألة جلب  الراحة والهدوء والسكينة للنفس وتبعدها عن المخاوف والوساوس والشكوك، الشاب احمد حسون يعتبر لبس الخاتم زينة لاتقل شأنا عن الساعة والبدلة ولون الحذاء الأنيق، وفي اكثر الاحيان يختار الوان متقاربة من كلّ هذه الاشياء وعندما تقام حفلات الأعراس يشعر بالزهو حينما تتوجه اليه الأنظار، بينما الشاب مخلد سعدون تعود على لبس الخاتم من خلال تاثره بأصدقائه المقربين.

مسابح للفقراء
ما بين هؤلاء الهواة المحترفين يوجد نوع من الناس البسطاء يحملون المسبحات باستمرار، ويكتفون بمسبحة متواضعة يسبحون بها في قاعات الانتظار، أو في غرف الأطباء أو في طابور موعد الراتب الشحيح، اولئك هم شريحة المتقاعدين الذين يجدون في التسبيح سلوى وتفريغا لشحناتهم الداخلية جراء ظروف الحياة الصعبة وهموم الشيخوخة، ايضا توجد العجائز اللواتي يسبحن بعد اوقات الصلاة تقربا الى الله وطمعا في غفران الذنوب وطلب الرزق، ودعوة الباري الى حماية ابنائهن من الشرور والاخطار.

الغاز في الخواتم والمسابح
عشاق المسابح يدركون ماذا تعني مفردات: العقيق، عظم العاج، والفيروز والكهرمان، ويعرفون ماذا تعني مفردات مثل: ((اليماني، الزمرد، درّ النجف، الرضوي، الياقوت والسليماني))، وما يميز الخاتم شذرته ويتوقف سعره على نوع المادة المصنوع منها وعلى نوع الشذر المثبت داخل الخاتم، واصل هذه الشذرات احجار كريمة تستخرج من بطون الجبال على شكل قطع حجرية كبيرة وتدخل في ورش عمل وتقطع وتعاد صناعتها على هيئة شذر نفيس يباع بالمثاقيل كالذهب: (محمد عمران) صاحب محل لبيع الخواتم اكد  إقبال الشباب بشكل لافت على لبس الخواتم فهم يتسابقون باقتناء الغالي منها (حسب قوله) حيث انه يبيع في اليوم الواحد اكثر من (20 خاتما) ويتضاعف هذا الرَّقَم في راس الشهر وفي المناسبات الدينية، ولم تقتصر مبيعاته على أهالي بغداد فقط، بل حتى شباب المحافظات يأتون إلى دكانه ويشترون بأسعار عالية، فمرّة باع خاتما نادرا بـ(5 ملايين دينار).

إنضم لقناتنا على تيليجرام