يُعَدّ شهر رجب أحد الأشهر الحُرُم في التقويم الهجري، وله مكانة مميّزة في نفوس المسلمين منذ العصور الأولى. وقد أُطلق عليه عدد من الأسماء، من أشهرها “رجب الأصب”، وهو اسم يحمل دلالات إيمانية ومعاني روحية عميقة. فما سبب هذه التسمية؟ وما المقصود بها؟
سُمِّي شهر رجب بـ الأصب من الفعل صبَّ، أي أُفيض وأُنزِل بكثرة. وقد ورد في أقوال السلف والعلماء أن هذا الاسم أُطلق عليه لأن رحمة الله تُصبُّ فيه صبًّا على عباده، أي تُغدَق عليهم برحمات واسعة وعطايا كثيرة، خصوصًا لمن أقبل على الله بالطاعة والإنابة.
ويُقال أيضًا إن شهر رجب سُمِّي الأصب لأن الله تعالى يصبّ فيه الرحمات والمغفرة على عباده المؤمنين دون انقطاع، فهو شهر تهيئة روحية، يُمهِّد القلوب لشهري شعبان ورمضان، ويُذكِّر المسلم بأهمية الرجوع إلى الله والتوبة من الذنوب.
وقد عُرف شهر رجب في الجاهلية والإسلام بكونه من الأشهر الحُرُم، وهي: ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، ورجب. وسُمّيت هذه الأشهر بالحُرُم لأن القتال كان مُحرَّمًا فيها، تعظيمًا لحرمتها ومكانتها. وهذا التعظيم انعكس على الأسماء التي أُطلقت على شهر رجب، فكان من بينها “الأصب” دلالةً على الفضل والخير.
ويرتبط اسم رجب الأصب كذلك بالإكثار من الاستغفار والطاعات، حيث كان السلف الصالح يستحبّون في هذا الشهر الإكثار من الدعاء، والاستغفار، والصدقات، استعدادًا لشهر رمضان المبارك. فمع أن العبادات فيه ليست مخصوصة بعباداتٍ معينة ثابتة بنص صحيح، إلا أن اغتنامه بالطاعة أمر محمود في كل وقت، ويتأكد في الأزمنة الفاضلة.
وخلاصة القول، إن تسمية شهر رجب بـ الأصب ترمز إلى سَعة رحمة الله وكثرة عطاياه في هذا الشهر الكريم، وتدعونا هذه التسمية إلى فتح قلوبنا للتوبة، واستغلال هذا الوقت المبارك في التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، ليكون بداية خير واستعدادًا روحيًا لمواسم الطاعة القادمة.
