تختلف المطالع الفلكية للكواكب في العالم الإسلامي اختلافاً ظاهراً، خصوصاً الشمس والقمر. ويتفق الفقهاء على وجوب مراعاة التوقيت الخاص في كل بلد في العبادات كلها، فلا يصلي أهل بلد أي وقت من أوقات الصلوات الخمس بحلول ذلك الوقت في بلد غير بلدهم، بل عليهم أن ينتظروا حلوله شرعاً وفق مطلع البلد الذي يقيمون فيه، إلا في بداية الصيام أول شهر رمضان وفي نهايته، فقد أباح الفقهاء هنا قولاً وعملاً متابعة من تثبت رؤية الهلال في بلدهم أول شهر رمضان وفي نهايته، شرط الاشتراك بينهم في جزء من الليل أو النهار، وقد حدث هذا في عصر الخلفاء الراشدين فصام أهل الحجاز يوم السبت وصام أهل الشام يوم الجمعة تمسكاً بمطلع كل بلد. ولو كانوا جميعاً صاموا يوم الجمعة أو السبت لكان صيامهم صحيحاً، لأن التمسك بالمطلع في هذه الفريضة ليس واجباً كما تقدم وقد نسبت هذه الرواية لابن عباس.
موكب الرؤية
كان موكب الرؤية، حتى سبعينات القرن العشرين، يتم في معظم العواصم والأقاليم، وكان ترتيب الفئات المشاركة فيه، وتحديد مساره، أصبحا معتادين من فرط التكرار كل عام، ولذا كان الجمهور المشاهد يتجمع وحده على جانبي المسار انتظاراً لوصول الموكب المتوقع، وكان الموكب ينطلق بعد صلاة العصر يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان من موضع التجمع، الذي قد يكون ذا دلالة تاريخية، مثل بيت القاضي أو الساحة المواجهة للمسجد الجامع. ويدور الموكب دورة طويلة يجتاز فيها شوارع المدينة الرئيسية ونواحيها، ويمر بأسواقها إلى أن يصل إلى الساحة المقابلة لمبني المحافظة أو مبنى رئاسة الإدارة المحلية في المدينة. وعادة ما يكون ختام الدورة الأولى عند المغرب، حيث يتم التأكد من نتيجة استطلاع هلال رمضان، وما إذا كان اليوم التالي يوماً مكملاً لشهر شعبان أم سيكون غُرَّة رمضان.
فإذا كان غُرة رمضان، بدأت الدورة الثانية من الموكب ليتبادل الناس التهنئة والمباركة بحلول الشهر الكريم. وليقوم المسؤولون بتوزيع الهدايا أو ما أشبه. ومن ثم ينصرف الجمع للإعداد لدخول شهر رمضان.
ويتكون هذا الموكب عادة من ثلاث فقرات :
- الفقرة الأولى : تحوي المشاركة الرسمية ممثلة في طابور عرض عسكري يُرتدى الزي الرسمي، ويسير في مشية استعراضية، ثم كوكبة من الخيالة تمشي خبباً، ثم فرقة من الموسيقات النظامية تعزف المارشات.
- لفقرة الثانية : تحوي مشاركة الطوائف والطرق وبيارقها المُتَايزة وبألوان أقمشتها المخصوصة، وإيقاعات دقاتها وآلاتها المعهودة، مع الذكر والتفقير في أثناء المسير.
- الفقرة الثالثة : تحوي ما يمكن أن نسميه المشاركة المدنية، وتعتمد على مشاركة الأهالي أنفسهم، وخصوصاً أرباب المهن والحرفيين التقليدين. وتتوالى عربات الكارو التي تجرها الخيول، ثم حلت محلها سيارات النقل (اللوري) ونصف النقل بديلاً لعربات الكارو، وعلى سطح تلك المركبات الأشبه بخشبة المسرح، كان أبناء كل حرفة يتمثلون كيفية مزاولتهم لحرفتهم. لكنهم كانوا يستخدمون مُعدات وأدوات مكبرة، وقد يعمد بعضهم إلى صور من التمثيل الكاريكاتور وابتكار المشاهد الساخرة وعموماً، كانوا يفتنون بأساليب مختلفة في أداء هذا الاستعراض. وربما لحق بمجموعة الحرفيين هؤلاء عدد من المقلدين والمتنكرين ومثيري المرح والدعابة، فمنهم من يصبغ وجه بالدقيق أو اللون الأبيض، أو يرتدي ما تواضع عليه بأنها ملابس الشعوب الأخرى الغربية كالهنود الحمر وما إلى ذلك.
كان هذا وصف ابن إياس لموكب العاصمة والدائرة المرتبطة بالسلطة العليا. أما ابن بطوطة فيصف موكب مدينة صغيرة في ريف إقليم الغربية هي– أبيار- فيقول: «ولقيتُ بأبيار قاضيها عز الدين… حضرتُ عنده مرة «يوم الركبة»، وعاداتهم فيه أن يجتمع فقهاء المدينة ووجوهها بعد العصر من اليوم التاسع والعشرين من شعبان بدار القاضي. ويقف على الباب نقيب المتعممين، وهو ذو شارة وهيئة حسنة، فإذا أتى أحد الفقهاء أو الوجوه تلقاه ذلك النقيب ومشى بين يديه قائلاً: باسم الله، سيدنا فلان الدين، فيسمع القاضي ومن معه، فيقومون له. ويجلسه النقيب في موضع يليق به. فإذا تكاملوا هنالك ركب القاضي وركب من معه أجمعون وتبعهم جمع من المدينة من الرجال والنساء والصبيان. وينتهون إلى موضع خارج المدينة وهو مُرتقب الهلال عندهم. وقد فرش ذلك الموضع بالبسط والفرش فينزل فيه القاضي ومن معه. فيترقبون الهلال ثم يعودون إلى المدينة بعد صلاة المغرب، وبين أيديهم الشمع والمشاعل والفوانيس. ويوقد أهل الحوانيت بحوانيتهم الشمع، ويصل الناس مع القاضي إلى داره ثم ينصرفون. هكذا فعلهم في كل سنة».
هلال شهر رمضان
استوجب صوم شهر رمضان العناية بأربعة أنواع من الأهلة، وهي هلال شعبان «لارتباطه بأول رمضان» وهلال الشك. ويوم الشك هو اليوم التالي للتاسع والعشرين من شعبان ويقع فيه الشك، لأنه إما يكون مكملاً لشعبان ثلاثين يوماً، وإما أن يكون أول أيام رمضان. وهلال رمضان. وهلال شوال وهذه القيمة الدينية للأهلة استتبعت قيمه أدبية أخرى فكثر وصف الشعراء للأهلة الثلاثة الأخيرة على مر العصور، فهلال شعبان العناية به دينيه بحتة (في الأشعار الشعبية التي تقص أخبار الزناتي خليفة وأبي زيد الهلالى يوصف الوجه الجميل بأنه كهلال شعبان، وقد التفت البعض إلى هذا المعني فثبت لديهم أن هلال شعبان يبدو غاية في الإشراق، بصورة تميزه عن سائر الشهور، وتجعله هلال شعبان بلا جدال).
أما هلال رمضان فتعنى به الدول الإسلامية وشعوبها عناية فائقة وترصد مطالعة حتى تتثبت من رؤيته، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا رأى هلال رمضان قال: «اللهم أجعله هلال رشد وخير آمنت بالذي خلقك» ثلاث مرات، ثم يقول: «الحمد لله الذي ذهب بشهر شعبان وأتى بشهر رمضان».
وحافظ سلاطين المماليك على الاحتفال بليلة رؤية هلال رمضان. ففي عام 920هـ، وفي عهد السلطان المملوكي الأشرف قانصوه الغوري، خرج جميع كبير من العلماء والوجهاء يتقدمهم قضاة المذاهب الأربعة في المدرسة المنصورية، وحضر- الزيني بركات بن موسى- المحتسب فلما ثبتت رؤية الهلال وانفض المجلس ركب المحتسب ومشى أمامه السقاؤون بالقِرَب وأوقدوا الشموع في الدكاكين وعلقوا المواقد والقناديل علي طول الطريق إلى بيت المحتسب.