للأب أفضال عظيمة على أبنائه، إذ أنه يتعب كثيرًا من أجل تربيتهم وتنشئتهم بشكل كبير، ولا يقل دوره عن دور الأم، فإذا كانت الأم ترعى فالأب هو السند الذي تلجأ إليه عند الشدائد، وهو الذي يحميك من العالم أجمع، ويقف دائمًا إلى جانبك، فقد لا تشعر بذلك الآن، ولكن إذا جربت غيابه لبضعة ثوان فقط فستشعر بالفرق.
قصيدة عن الاب لأحمد شوقي
ولعل أفضل القصائد التي تحدثت عن الأب هي قصيدة الشاعر أحمد شوقي حين قال:
سأَلوني: لِمَ لَمْ أَرْثِ أَبي؟ ورِثاءُ الأَبِ دَيْنٌ أَيُّ دَيْنْ
أَيُّها اللُّوّامُ، ما أَظلمَكم! أينَ لي العقلُ الذي يسعد أينْ؟
يا أبي، ما أنتَ في ذا أولٌ كلُّ نفس للمنايا فرضُ عَيْنْ
هلكَتْ قبلك ناسٌ وقرَى ونَعى الناعون خيرَ الثقلين
غاية ُ المرءِ وإن طالَ المدى آخذٌ يأخذه بالأصغرين
وطبيبٌ يتولى عاجزاً نافضاً من طبَّه خفيْ حنين
إنَّ للموتِ يداً إن ضَرَبَتْ أَوشكَتْ تصْدعُ شملَ الفَرْقَدَيْنْ
تنفذ الجوَّ على عقبانه وتلاقي الليثَ بين الجبلين
وتحطُّ الفرخَ من أَيْكَته وتنال الببَّغا في المئتين
أنا منْ مات، ومنْ مات أنا لقي الموتَ كلانا مرتين
نحن كنا مهجة ً في بدنٍ ثم صِرْنا مُهجة ً في بَدَنَيْن
ثم عدنا مهجة في بدنٍ ثم نُلقى جُثَّة ً في كَفَنَيْن
ثم نَحيا في عليٍّ بعدَنا وبه نُبْعَثُ أُولى البَعْثتين
انظر الكونَ وقلْ في وصفه قل: هما الرحمة ُ في مَرْحَمتين
فقدا الجنة َ في إيجادنا ونَعمْنا منهما في جَنّتين
وهما العذرُ إذا ما أُغضِبَا وهما الصّفحُ لنا مُسْتَرْضَيَيْن
ليتَ شعري أيُّ حيٍّ لم يدن بالذي دَانا به مُبتدِئَيْن؟
ما أَبِي إلاَّ أَخٌ فارَقْتُه وأَماتَ الرُّسْلَ إلاَّ الوالدين
طالما قمنا إلى مائدة ٍ كانت الكسرة ُ فيها كسرتين
وشربنا من إناءٍ واحدٍ وغسلنا بعدَ ذا فيه اليدين
وتمشَّيْنا يَدي في يدِه من رآنا قال عنّا: أخوين
نظرَ الدهرُ إلينا نظرة ً سَوَّت الشرَّ فكانت نظرتين
يا أبي والموتُ كأسٌ مرة ٌ لا تذوقُ النفسُ منها مرتين
كيف كانت ساعة ٌ قضيتها كلُّ شيءٍ قبلَها أَو بعدُ هَيْن؟
أَشرِبْتَ الموت فيها جُرعة ً أَم شرِبْتَ الموتَ فيها جُرعتين؟
لا تَخَفْ بعدَكَ حُزناً أَو بُكاً جمدتْ منِّي ومنكَ اليومَ عين
أنت قد علمتني تركَ الأسى كلُّ زَيْنٍ مُنتهاه الموتُ شَيْن
ليت شعري: هل لنا أن نتلقي مَرّة ً، أَم ذا افتراقُ المَلَوَين؟
وإذا متُّ وأُودعتُ الثرى أَنلقَى حُفرة ً أَم حُفْرتين؟
ونلاحظ في هذه القصيدة كم الوجع الذي كان يشعر به الكاتب، فقد عبر عن فراق الأب الحنون الذي كان يحبه وينسجمان سويًا لدرجة وصفهما بالروح الواحدة في جسدين، مما يدل على قوة العلاقة بين الأب وابنه.
وقد عبر شوقي عن موت أبيه بأنه افتقد الأبوة وأصبح يمثل الطفل الحزين، كأن شيئا واحدا قد انقسم إلى نصفين، مما منح الشاعر شعورا بالفراغ وفقد القدرة على التمتع بالحياة، إذ أن مباهج الحياة كلها قد تمثلت في أبيه، لذا فإنه لا شيء قد يعبر عن مدى حزنه على فقد أبيه أو نصفه الثاني كما صوره.
وقد استطاع شوقي استخدام المعاني المؤثرة التي توضح مدى ترابط الابن بأبيه في ترابط أسري لا مثيل له، وبالرغم من عفوية العبارات إلا أننا نشعر من هذه القصيدة بأنها تكمن بالقلب وتخرج من أعماقه، إذ أن الرثاء هو حالة من تصويرالمشاعر الذاتية، ومدى الألم الناتج عن الفراق الذي يبقى ألمه أعواما طويلة لا تمحوها السنون.
لذا تعد هذه القصيدة من أفضل القصائد التي تحدثت عن الأب بمشاعر قوية وصادقة، حيث عبر الشاعر عن اتساع مساحة الفراق وتباعد الأحباب بشكل حتمي لا يُرجى معه عودة غائب ولا لقاء راحل، مما جعل القصيدة تمس القلوب ويحبها الكثيرون.