ذكر الله البلاء في مواضع كثيرة في كتابه العزيز، حيث ذكر جل وعلا في سورة البقرة قال تعالى: “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ”
وقال تعالي في نفس السورة: ” فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي…”، وفي سورة الأحزاب قال تعالى: ” هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا”، والابتلاء وبلاء يوجدان في الكثير من المواضع الأخرى في القرآن الكريم، وهنا في ميرال نيوز سوف نناقش ما هو الفرق بين البلاء والابتلاء على حسب فتوى ابن عثيمين وبعض العلماء.
الفرق بين البلاء والابتلاء ابن عثيمين
يرى فضيلة المحدث العلامة ابن عثيمين أن الابتلاء هو الاختبار وقد استدل على هذا بقول الله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾.
- الابتلاء في الخير هو أن الله يبلو الشخص ليرى هل يشكر الله على الخير أو يكفر بقدرة الله، واستدل على ذلك بكلام الله على لسانِ سليمان عليه السلام حين أنعم عليه ورأى عرش بلقيس أمامه قبل أن يرتد إليه بصره فقال: ﴿قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ).
- الابتلاء في الشر هو أن يبتلي الله الشخص ليرى هل يصبر على ما ابتلاه الله به أم يسخط ويجزع، ويكون الجزاء من جنس العمل فإن صبر وأحتسب الأجر عند الله فإن الله يجعل هذا ابتلاء لرفع الدرجات وإحطاط السيئات، أما إن سخط وجزع فإن ذلك الابتلاء يكون نقمة في الدنيا والآخرة.
أما البلاء فهو يكون بصورة عامة في الخير:
- حيث قال الله تعالى على لسانِ نبيه إبراهيم عليه السلام: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِين﴾، ويقصد به اختبار الله له في طاعته في ذبح ابنه.
- وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط”، رواه الترمذي وحسنه.
- وَعَنْ أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ. رواه مسلم.
متى يعرف العبد أن هذا الابتلاء امتحان أو عذاب
- قد يكون ابتلاء الله للعبد من أجل أن يرفع درجاته ويضاف له في حسناته، حيث كان الله يبتلي النبيين والصالحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة”، أخرجه الإمام أحمد وغيره، وصححه الألباني.
- والجدير بالذكر هنا أن الابتلاء إذا أصاب الصالحين كان الغرض منه الامتحان حتى يصبروا وينالوا الدرجات ويعظم الله أجرهم، وحتى يكونوا بمثابة القدوة لغيرهم في الصبر والاحتساب، وذلك لقول رسول الله ﷺ:” ما أصاب المسلم من هم ولا غم ولا نصب ولا وصب ولا حزن ولا أذى إلا كفر الله به من خطاياه حتى الشوكة يشاكها إلا كَفَّرَ اللهُ بِها مِن خَطاياهُ”، وقوله ﷺ أيضاً “من يرد الله به خيرا يصب منه”
- وقد يكون الابتلاء نتيجة للفعل الذنوب والمعاصي، فيعاقبه الله بالابتلاء، فقال سبحانه: “وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ”
- وقد يكون الابتلاء عقوبة معجلة أراد الله بها أن يرد المسلم العاصي إليه ويحثه على ترك المعاصي والتوبة إلى الله، وذلك استناداً لقول رسول الله ﷺ:” إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة” اخرجه الترمذي وحسنه، وقال ﷺ أيضاً: “إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد العمر إلا البر”، رواه أحمد والسيوطي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وحسنه السيوطي.
- قد يكون الابتلاء للتفريق بين المؤمن الصادق والمنافق، حيث قال الله تعالى: “أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ”.
وفي كل الأحوال يجب الرجوع إلى الله عزوجل فإذا كان الابتلاء اختبار يجب على المسلم الصبر واللجوء إلى الله حتى ينال الأجر، كما قال الله تعالى:” وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ”.
وإذا كان تكفيراً للذنوب فعلى الشخص اللجوء إلى الله بالدعاء والتوبة، فالدعاء يدفع البلاء.