الآن وقد شارفت الرحلة على الانتهاء، وقد تركت في النفس آلامًا للفراق والأنس بقدر ما حفرت علامات التقوي والخشوع والافتقار إلى الله، لا يسع النفس إلا أن تلمم شتات القلب وتنتبه للشعيرة الأخيرة طواف الوداع وإتمام الحج، عسى أن يتقبل الله ويرجع الجسد والروح كيوم ولدته أمه.
طواف الوداع حكمه
طواف الوداع سمي بهذا نظرًا لأن الحاج أو المعتمر حينها سيودع الكعبة والبيت العتيق، وهو أيضًًا يسمى بطواف آخر العهد، ويطلق عليه طواف الصدر نظرًا لأن الحجيج يصدرون بأدائه عن البيت الحرام.
بالحديث عن الحكم في الشريعة نجد أنه واجب عند إتمام الحج وقبل أن يودع مكة، وفقًا لرأي الشافعية والحنابلة والحنفية.
وهذا ما ندفع به من دليل بهذا الشأن:
عن ابنِ عبَّاسٍ، رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((أُمِرَ النَّاسُ أن يكونَ آخِرُ عَهْدِهم بالبيتِ، إلَّا أنَّه خُفِّفَ عن الحائِضِ).
قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا ينفَرِنَّ أحدٌ حتى يكون آخِرُ عهدِه بالبيتِ).
شروط طواف الوداع وإتمام الحج
هناك عدة شروط بها يصح طواف الوداع، نفردها على النحو التالي:
اقتصاره على القادمين
باتفاق المذاهب الأربع يجب أن يكون الحاج قادم من بلاد أخرى وليس من أهل مكة، أو من ينوي المقام بها، ويسمى الناس هؤلاء ( أهل الآفاق)، ويتم الاستدلال على هذا من أمران: الأول أن الوداع صفة تأتي بتوديع المكان وهذا لا ينطبق على أهل مكة فلا وداع لها، أما الأمر الثاني يأتي من كون الشخص الذي ينوي المقام في مكة لا ينتوي المفارقة ولا الوداع بل سيكون ملازم ومقيم بها لذا تنتفي عنه صفة الوداع.
طهارة الطائف
يجب أيضًا بما لا يدع مجال للشك أن يكون الشخص طاهر من الحدث الأكبر والأصغر، ويستثنى من ذلك الحائض والنفساء فلا يجب عليها أن تطوف حتى تطهر إن لم تستطع مخافة ترك الرفقة أو عدم إقامتها أكثر من ذلك، يجوز لها تركه ولا يجب عليها دم، هذا بإجماع الآراء، ولكن إذا طهرت قبل مفارقة مكة لزمها الرجوع وأداء الطواف ولكن إذا فارقت بنيان مكة وتجاوزتها لا يلزم لها الرجوع مرة أخرى.
شروط أخرى
- يلزم أن يفرغ الحاج من كل المشاعر والنسك، حيث أن طواف الوداع يكون آخر عهد للحاج بالنسك.
- لا أثم على الحاج إذا انشغل بعد أداء الطواف بأمور الشراء والبيع والقيام بتجهيزات السفر، وشراء الطعام وانتظار الصحبة والرفقة.
- من الممكن أن يجزأ طواف الإفاضة (في حال أخره الطائف) عند طواف الوداع، حيث أن المقصد هنا ليس إقامة الشعيرة تلك بذاتها، ولكن الغرض أن يكون آخر شيء يفعله الناس قبل مغادرة مكة هو توديع البيت بالطواف.
حكم من ترك طواف الوداع
وردت عدة تساؤلات تستفتي في أمر ترك الحاج لطواف الوداع مخافة ذهاب الرفقة أو للتوعك، وقد وجد أن هذا العمل معصية لله، حيث أن حكم هذه الشعيرة واجب، ومن المعلوم ترك الواجب معصية، وعلى من أتى بذلك أن يستغفر الله وفي هذه الحالة عليه دم أيضًا في مكة يوزع لفقرائها ليجبر نقصان حجه.
هل طواف الوداع من شروط صحة الحج
بالنظر حول السؤال وما إذا كان طواف الوداع مرتبط بصحة الحج من عدمه نجيب على النحو التالي:
أن طواف الوداع هنا واجب من واجبات الحج، ولكن عدم الإتيان به لا يلزم إبطال الحج بالأساس، ولكن يتم جبر التقصير بالاستغفار والذبح والتوزيع على فقراء مكة، فواجبات الحج ومن بينها طواف الوداع مختلفة عن الأركان التي بدونها لا يتم الحج بالأساس.
صفة طواف الوداع وإتمام الحج
أما عن الكيفية التي يتم بها الطواف، كذلك ما على طواف الوداع من واجبات يكون بنفس الطريقة التي قام بها النبي في الطواف بشكل عام وهي واحدة في أنواع الطواف والتي يتم بها أداء طواف الإفاضة ( بعد أن يرمي الحاج جمرة العقبة) وكذلك طواف القدوم.
وقت طواف الوداع
من الاسم نستطيع أن نعين الوقت المحدد لطواف الوداع:
- حيث يكون آخر نسك يقوم به الحاج.
- وبعدها يتم مغادرة مكة على الفور.
- وهذا أحدهم يتساءل ماذا لو مكثت في مكة بعد الطواف بيومين أصلي وأغدو وأروح؟
- يكون بذلك عليه القيام بأداء الطواف، حيث يتعين أن يكون الطواف قبل المغادرة إلا في حالة الانشغال بالتجهيز للعودة وشراء الزاد أو عيادة المريض.
هل طواف الوداع واجب في العمرة”
ربما يطرأ هذا السؤال بذهن من يرتب للذهاب لمكة متسائلًا بشأن طواف الوداع في العمرة.
- ونجيب أنه ليس من الواجب أن يأتي المعتمر هذا الطواف.
- وهذا وفقًا للمذاهب الأربع مجتمعة.
- كذلك لم يرد عن النبي القيام بطواف الوداع بعد العمرة.