المتاحف كنزنا القومي، وذاكرتنا الوطنية ومستودع أسرارنا التاريخية، فيها يتجاور الزمن ويصبح آنية فخارية، ومنها تنطلق تنهدات الماضي، وأحلام المستقبل، وفي ردهاتها يعيش الناس قروناً خلت، فيدركون حال الزمن ويقارنون أمسهم بيومهم. المتاحف قطعة من الأرض رمزية المعنى، مثلها مثل العلم أو النشيد، لان معظم ما فيها يدل على هوية المكان وشخصية الوطن.
المتحف ليس مخزناً، انه منبر التاريخ لتنوير المجتمع ورفده بالمعلومات وهو واحد من مرافق الثقافة العامة، ترى هل هي صحيحة بوضعها الحالي أم تحتاج إلى صياغة جديدة، والمتحف كونه أحد هذه المرافق، نجد من ينظر اليه كمخزن، بينما يراه آخرون منبراً تنطلق منه رسائل وجدانية وأهداف اقتصادية، في هذا التحقيق سألنا عن دور المتحف اجتماعياً واقتصادياً فقالوا لنا آراء مختلفة ولكنها اتفقت معظمها على الحاجة إلى تحديث وتطوير.
«عائشة مبارك عبدالله» مديرة متحف الفهيدي بدبي تقول: وصفت المتاحف قديما بأنها مخازن للعروض والقطع؛ أي هي مجرد وعاء للحفظ؛ إلا أن النظرة الحديثة في مفهوم المتاحف، ترى أنها مؤسسة تعليمية وتثقيفية، ومركز إعلامي يمثل الواجهة الحقيقية لتاريخ المنطقة وتراثها.
وعليه فان العروض الأثرية تشكل جزءاً كبيرا في التخطيط والتوضيح للتاريخ القديم للإمارة، ولذا فهي تاريخ المنطقة، وجذوره الحضارية وعراقته، والتسلسل الحي للأحقاب الزمنية التي مرت بها المنطقة حتى يومنا هذا مما يجعل المتاحف هي الخيط الأول لقصة حضارة المنطقة، والتي تجعل لها أهمية وامتيازاً، ودور المتحف هو نشر هذا التاريخ، والتعريف به بأمانة تنقل للأجيال المتعاقبة.
أما اقتصار دورها على الجانب الثقافي عن الاقتصادي؛ فلأن مهمة المتاحف معنوية أكثر منها مادية؛ إلا أن أساليب النشر الحديثة للمتاحف، والتي تتضمن المعارض، والندوات وإقامة المؤتمرات والإسهام فيها؛ استبدل هذه النظرة ولو بشكل ضئيل، وارتكزت على تحقيق الهدف الدعائي المحلي والعالمي، الذي يسعى إلى جذب الزوار والسياح من جميع أنحاء العالم تحقيقا للمساهمة في الدخل القومي نتيجة دفع رسوم دخول للمتاحف أو المعارض، إلى آخر ذلك من أنشطة وفعاليات، مع التركيز على الدور الأساسي للمتاحف التي ترتقي لمهام معنوية تنبع من كونها حافظة للتاريخ والتراث.
وأضافت عائشة قائلة : ان المتاحف تتطلع إلى مستقبل تعليمي للأجيال الواعدة؛ لذا فمن البديهي أن تنأى بأهدافها عن الغرض المادي، أو ممارسة أي دور اقتصادي، فالترويج السياحي لدينا؛ يعي أهمية التعريف بماضينا، وجذور أصالتنا وعمق ثقافتنا؛ بالإطلال على العالم بوجه إماراتي عربي؛ يحمل حصيلة حقب من السنين، ويلتزم بموروثه الثقافي كوسيلة إعلامية.
وفي اعتقادي أن للمتاحف دوراً وطنياً ايجابياً يجب الالتزام به، وهناك الكثير من المؤسسات والهيئات التي تعنى بالجوانب الاقتصادية، وهي محور أهدافها؛ إلا أننا ومن منطلق الإيمان بالحفاظ على الموروث الإنساني، علينا مد الجسر الحضاري بين الماضي والمستقبل.
محمد النيادي مدير إدارة الآثار والسياحة بالعين قال: لا يجوز اعتبار المتاحف بأنها مخازن، فالمتاحف مؤسسات ثقافية تقوم بحفظ التراث وماضي الأمة من آثار.
وهي مؤسسة ترفدها عمليات التنقيب، وهناك المتاحف التقليدية إلى جانب المتاحف العسكرية، والتراثية والعلمية والطبيعية، ويحتوي متحف العين الوطني على مختبر، تجري فيه الدراسات والبحوث على الموجودات، حيث تقوم بعد ذلك عملية الصياغة والتوثيق.
وقال النيادي ملاحظة دقيقة جداً: ان طلاب المدارس الأجنبية يسعون إلى زيارة مواقع الآثار ولا يكتفون بزيارة المتحف فقط، عكس طلاب المدارس العربية مع الأسف!
ومن هذا المنطلق فنحن نحمل عدة رسائل؛ ومنها الثقافية، ونأمل دائما ازدياد عدد الزوار للمتاحف، كما نتمنى من الأسر بأن يكرروا الزيارات للمتاحف وألا يكتفوا بالزيارة الأولى، أو الوحيدة. من جانب ثان لا ينبغي أن تكون الزيارة هامشية بل مقصودة وأساسية للمتحف، ولابد من التأمل في الموجودات؛ فالمتحف مكان لشحذ الخيال أيضا.
ولاشك أن للمتحف دوراً اقتصادياً؛ باعتباره معلما سياحيا، فهو بذلك يؤدي دورا اقتصاديا، ويساهم في الدخل، ولو بشكل رمزي.
د.صباح جاسم خبير الآثار بدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة أدلى بدلوه قائلاً: صحيح أن المتاحف مخازن تضم أعدادا كبيرة من التحف الأثرية المهمة؛ لأنه لا يمكن عرض كل الموجودات، وما يعرض هو جزء قليل مما يتم العثور عليه، وما يخزن يكون لغرض الدراسة ومتابعة البحث، وليس لانتهاء الحاجة منه.
والمتاحف أولا هي مؤسسات ثقافية، مهمتها نشر الثقافة والوعي وإطلاع الناس على تاريخهم وحضارتهم، وهي مرآة تعكس الماضي كما أنها مراكز ثقافية وتعليمية لنشر الوعي الثقافي والحضاري بالأساس؛ إنها مرآة التاريخ.
وكل اثر هو بحد ذاته لا يعتبر أثرا، أو مادة بقدر ما هو صفحة تحكي حكاية بشر استخدموا هذه المادة، أو الأداة وأنتجوا حضارة، ثم تركوا هذه المخلفات؛ فنقوم نحن بعرضها لنتعرف على ما تعكس من مهارة فنية، وتكنولوجية توفرت لذلك الإنسان وعكست قصته.
واعتبر الرسوم التي تفرض على دخول المتاحف أمر ثانوي؛ لان الثقافة في خدمة المجتمع. وهناك العديد من متاحف العالم تطبق مجانية الدخول إلى متاحفها، مثل المتحف البريطاني، بهدف استقطاب اكبر عدد من السائحين.
ومتاحفنا أكثرها مجاني، وان فرضت رسوماً فهي رمزية؛ خاصة أن السائحين الأجانب يدفعون سلفا للشركات السياحية التي تنظم زياراتهم ورحلاتهم.
علي المطروشي مدير متحف عجمان الوطني قال: في اعتقادي أن المتحف هو مدرسة لتعليم وتثقيف المواطنين والمقيمين، وهو يقوم بوظائف متعددة؛ منها السياحية والتثقيفية والتعليمية وينبغي أن يكون المتحف مدرسة في المجتمع، ومن جهة الهدف الاجتماعي فالمتحف يناسب قضاء الأسر لعطلاتهم؛ مواطنين ومقيمين لتعريف الجيل الجديد على ما كانت فيه حياة الأجداد، وذلك بصورة مقرّبة لمختلف جوانب الحياة.. الزراعية والصناعية، وتفاصيل الحياة إجمالا. وبذلك ستتاح له فرصة التأثير ولاشك .
ولكن لابد من تطوير المتحف وتزويده بالوسائل التكنولوجية حتى يؤدي دوره كما ينبغي، وألا يبقى متخلفا، كما لابد من تجديد المعروضات وإنشاء أقسام جديدة والإعلان عنها، وإجراء مسابقات بين الفئات، إضافة إلى تسهيل دخول الناس إلى المتحف؛ فهناك بعض التعقيدات في بعض الأحيان في بعض المتاحف؛ في ما يتعلق بدخول الزوار.
بالطبع هناك أسباب لكن لابد من تذليلها كما أن بعض المتاحف تفرض رسوما مرتفعة، وقد أكون مع إلغاء الرسوم أو تخفيضها في بعض المتاحف لتشجيع الزوار. علما أن الرسوم في النهاية هي لخدمة المتحف وتطويره وإضافة اللازم إليه.
هشام المظلوم، فنان تشكيلي أدلى برأيه حول المتاحف قائلاً: المتاحف أساسا تؤدي دورا ثقافيا وعلميا؛ فهي المدرسة الثالثة بعد الأسرة والمدرسة الرسمية أو النظامية، وتعتبر ناقلة جيدة للمعرفة والثقافة بشكل عام لكل شرائح المجتمع، وبكل تخصصاتها العلمية التراثية ومتاحف الآثار، والمتاحف الفنية؛ لأنها تحاول أن تحافظ وتنقل المعرفة، إن كانت ذات أصول سابقة، أو ذات نظرة مستقبلية.
ثم أضاف المظلوم: اعتقد أن مساهمة المتاحف في الدخل الاقتصادي ضرورية، فبعد ثلاثين عاماً من النقلة الثقافية، وانعكاسها على منطقة الخليج فإن الشارقة اختصرت الزمن على المنطقة ككل، وفي السابق كانت زيارات الجمهور محدودة؛ لكن وبعد عشر سنوات من تأسيس منطقة الفنون في الشارقة وزيادة عدد زوار المتحف.
وكوننا نقدم للمتلقي معرفة أو معلومة كلفت كثيرا حتى تصل إليه فلا مانع من التفكير بفرض رسوم؛ لأن المتلقي يشاهد قيمة تستحق الإنفاق عليها، ولذلك لابد أن تفرض مثل هذه الرسوم خاصة أنه ما زالت الثقافة في مجتمعاتنا العربية دعمها الوحيد يأتي من الحكومات، إذن لابد من المردود المادي.