حصن بيت بوس .. اطلال يهود اليمن وبناه اليهودي بوس

«حصن بيت بوس» هو اسم المنطقة التي سكنها يهود صنعاء قديما، ومن المعروف أن هذه  المنطقة الجبلية التي عاش بها مجموعة كبيرة  لا يستهان بها من اليهود اليمنيين منذ مئات السنين تتميز بسقوفها، وعلى الرغم من ذلك ما زالت آثارها باقية حتى يومنا هذا وشاهدة على تاريخ هذه الفئة من الناس، فمنذ القديم سميت هذه المنطقة الجبلية بـ «بيت بوس»  نسبة كما يقال إلى يهودي يدعى  «بوس»  وهو أول من سكن هذه الجبال وبنى وعمر فيها البيوت، وتقع هذه المنطقة على بعد 7 كم إلى جنوب مدينة صنعاء ومساحتها تقدر بكيلومتر مربع، وتحتوي على أكثر من (300) منزل قديم متعدد الأدوار والمساحات.

وعند زيارتك إلى تلك المنطقة إيذانا بدخولك إلى أطراف تلك القرية  سترى منظراً بديعاً  قلّما تجد مثله في  هذا الزمن، جبل شامخ  مرتفع تكسوه خضرة من أسفله نابتة على أرضه، وتعتلي  قمته منازل متراصة وكأنها لُعْبَة أطفال من طراز قديم كأسطورة خالدة منذ زمن بعيد تروي حكايتها، وعند الاقتراب منها يفاجئوك منظر  تلك  القرية البائس فهي محرومة من أدنى حقوقها الجمالية  حيث حكم جفن الزمان وأغمض على ساكنيه مقدما الاستقالة الأبدية من هذا الزمن.

فإذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء، واستمعنا إلى قصص تلك المنطـقة سنــقــف مشــدوهــين منــبــهرين لـتلـك القصة التي تقول أن  تلك  المنطقة كانت أشبه بجنة الله على الأرض بسبب انتشار الأشجار والبساتين والزراعة، وهو ما أضفى عليها جمالاً طبيعياً آسراً.

وكان ساكنوها من اليهود اليمنيين البسطاء مستوري الحال لا يبتغون أكثر من الأكل والشرب والسلام ورعي الغنم، ولأنها منطقة جبلية صعبة وجد ساكنوها صعوبة استمرار العيش على هذه المنطقة خاصة عندما بدأ مــنفــــذ المــــــــــــــاء الوحـــيــــــــد الذي يـــــــــعتـــــمـــــــدون عليه بالجفاف، وهو عبارة عن سد ضخم كبير يحجز الأمطار يدعى حاليا ( سد كمران) كانوا يستفيدون منه على أن الجفاف كان قد بدأ بالتسلل.

وبدأت الأرض بالبوران وبدأت الماشية بالهلاك، واستمر الحال هكــــذا حـــتى عصر الإمام الهادي الذي اقترح علـيهم الهــــجــــرة وبــــيــــــع أراضيهم بصــــكوك و بصائر، ومــــن ثم قــــــام بنقـــلهــم إلى تجمـــعات أكبر في صــــعـــــدة وريـــــــدة وبأجل بالـــذات.

و بـــعـــد أن تـــــضـــاءل عـــــددهـــم كــثـــيراً جـــــراء الهـــجــــــرات الخـــــارجـــيـــة إلــى فلسطين فكر الإمام الهادي بتجميعهم في منطقة واحدة أيــضــــــا لــيــتــسنـــى لهم إقامة صلواتهم وأعيادهم والسبوت حيث إن منطقتهم لم تكن تحتوي إلا على محفل واحد للصلاة فقط، ولا توجد مدارس لتعليم أبنائهم الزبور والتوراة، فوافق يهود بيت بوس على ترك المنطقة وكلهم رضا وأمل بأن المنطقة الجديدة ستكون أفضل، وفيها فرص للعيش الكريم، وبالفــعل انتــقـــلوا إلى صــعــــدة وما زالـــوا حتى هذه اللــــــحــــــظــــــة هــــــنـــــــاك متــمســكـــين بعـــاداتــــــهـــم وطقوسهم الدينية، مثل خصــــلات الشعر المدلاّة على جانب الرأس والتي تسمى بالـــيمن «الزنــّــــار» والزي التقليدي للــنســـــاء ويعــرف باســم شوكـــك.

فيـــما لم يــعد يقــطن هذه المـــنـــطـــقة (بــــيت بـــوس) ســــوى ســـبـــــع عــــــائـــلات يمنية مسلـمة فــــقــيرة لا تملـــك مسكـــنـــاً غـــير أحد هذه البـــيـــوت المهـجــــــورة، ولا توجــــد مياه للـــــشــرب أو الاستــــخــــدام غير تلـــك الــــبركــة الكبــيرة الواقعة بمنتـصف القــــــرية والمليـــئة  بالمـــاء الراكـــد الآســـن.

ودعناها  متمنين قدوم معجزة تزيح الشقاء والبؤس عن هذه القرية وتعيد لها ذلك الشباب، مودعين ـ في نفس الوقت ـ تلك الشجرة الصامدة والواقفة منذ 1000 عام، المرحبة بأي زائر والمودعة لأي مغادر بأذرعها الكبيرة الخضراء، فهي شجرة غير عادية بل هي حارس يحرس تاريخاً يأتي الدهر على طمسه يوماً بعد الآخر وتستحلفها وتشد من أزرها بالصمود.