معنى لسانك حصانك أن صنته صانك وان هنته هانك

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
أما بعد :
فعند تدبر بعض الآيات في كتاب الله, خصوصًا في السور التي اعتبرت ركنًا أساسًا في تربية الأمة (كسورة الحجرات مثلاً) يبدو كأنها مستقلة في وضع الكثير من الأسس والمعالم لأمة عظيمة أعزها الله بدينها وعقيدتها، وجعل لها مكانة كريمة، وفضلها على سائر الأمم. ونجد أن الآيات على قلة عددها تشتمل على قواعد وأصول ومبادئ ومناهج ترتكز عليها هذه الأمة. أمة تستمد قوتها وعزتها من الله، وتتجه في عباداتها وفي كل حركاتها إلى الله، وتتوكل في كل أعمالها

على الله، وتترك نتائج جهودها وثمرة أعمالها إلى الله. أمة نقية القلب, نظيفة المشاعر، عفيفة اللسان, عفيفة السريرة. أمة بها أدب مع الله وأدب مع رسل الله وأدب مع عباد الله وأدب مع نفسها وأدب مع غيرها..
قال تعالى: {…ولا تنابزوا بالألقاب{ (الحجرات 11). توجيه رباني عظيم في تربية الأمة إلى قيام الساعة, وأمر من الله الجليل لتنظيم العلاقات الأسرية والاجتماعية فيما بينها، وتصفية قلوب أفرادها من الضغائن والأحقاد، وتقوية الروابط وتوثيق الصلات وأواصر المحبة والوئام، واجتناب كل ما يدعو إلى التناحر والخصام والشحناء والبغضاء. روى الإمام أحمد، رحمه الله، أن هذه الآيات نزلت في بني سلمة, قال: قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة وليس فيها رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة فكان إذا دعا أحدًا منهم باسم من تلك الأسماء قالوا يا رسول الله إنه يغضب من هذا فنزلت {ولا تنابزوا بالألقاب{ (رواه أبو داود). وقوله تعالى: {بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان{ أي بئست الصفة والاسم الفسوق – وهو التنابز بالألقاب كما كان أهل الجاهلية يتناعتون- بعدما دخلتم في الإسلام وعقلتموه, {ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون{.
بعض الناس (هداهم الله) قلوبهم مليئة بالحسد والحقد والبغضاء والضغينة على عباد الله، ظانين أنهم أفضل من غيرهم وأنهم فوق الناس جميعًا وأن لسان حالهم يذكرنا ببني إسرائيل الذين يعتقدون أنهم فوق كل الأمم، وأن الناس كلهم إنما خلقوا لخدمتهم وأنهم عبيد لهم {ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون{ (آل عمران 75).
لسانهم لا يتكلم بخير ولا يتفرد عن ابتسامة, محرومون من الخير كله وكأن ابتسامتهم في وجوه إخوانهم مكروهة إن لم تكن عندهم حرام, هذا حرمان ليس بعده حرمان.. إنهم يعلمون أن (تبسمك في وجه أخيك صدقة).. فماذا عليهم لو دعوا إخوانهم بأحب الأسماء إليهم ليدخلوا السرور على قلوبهم التي قد تكون منكسرة فيجبرونها ولو بكلمة طيبة, وقد يكونون متألمين فتخفف عنهم ابتسامة إخوانهم لهم {أشحة عليكم{, بخلاء بطيب الكلام, وبخلاء بالسلام, وبخلاء بتبسمهم في وجوه إخوانهم.. روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «أفش السلام وأطعم الطعام وصل الأرحام وصل بالليل والناس نيام وادخل الجنة بسلام» (1085 صحيح الجامع الصغير). وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أفشوا السلام وأطعموا الطعام وكونوا إخوانًا كما أمركم الله» (1089 صحيح الجامع الصغير).
اعلم، يا رعاك الله، أنه لا يزيد في العمر إلا البر والعمل الطيب وصلة الرحم, فاملأ قلبك محبة لتمد بذلك على نفسك ينبوعًا صافيًا من الحسنات عند ربك, فالحسنات تنصب عليك وأنت في بيتك بين أهلك، وذلك بحبك لإخوانك المؤمنين «وما أحب عبد أخاه إلا كان أحبهما إلى الله أكثرهما حبًا لأخيه»، «عش ما شئت فإنك ميت, واعمل ما شئت فإنك مجزي به». وقال صلى الله عليه وسلم: «اتق المحارم تكن أعبد الناس وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس وأحسن إلى جارك تكن مسلمًا وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا ولا تكثر من الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب»(100 صحيح الجامع). ثلاث نواة كلها محرمة: السخرية, اللمز, والتنابز بالألقاب, ونتيجة كل واحدة من الثلاث جزاؤها شيئان عند الله: كان اسمك مؤمنًا فأبيت إلا أن يكون فاسقًا، وإن لم تسارع بالتوبة إلى الله أعطاك لقبًا آخر وأصبحت فاسقًا وظالمًا {بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون}, بعت اسم المؤمن واشتريت بدلاً منه اسم فاسق وظالم معًا.. بماذا؟ بهمزات لسان وومضات شفاه، أو تلفظ على إخوانك أو حركات قلب نحوهم. تعس وخاب من تخلى عن اسم المؤمن وأخذ من رب العزة والجلال الذي لا معقب لكلماته ولا راد لقوله اسمين اثنين: الفسق والظلم «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه».. سبحان الله !
قطعة صغيرة بين فكين لا تتعدى في حجمها بضعة سنتمترات تقبل أن تجرك إلى نار جهنم! فلا تطلقها على عنانها ولا تطلقها في أعراض الناس وغيبتهم والنيل منهم وتتبع عثراتهم وعوراتهم. فسارع، رحمك الله، بالتوبة إلى الله قبل أن يوافيك الأجل, قال تعالى: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم  اهتدى{ ( طه 82). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» (4515 صحيح الجامع الصغير).
فيا أخي الحبيب:
قف قليلاً مع نفسك وراجعها وحاسبها قبل فوات الأوان وإذا حدثتك نفسك أن تعيب إخوانك فانظر إلى عيوبك أولاً :

لو نظر الناس إلى عيبهم ما عاب إنسان على الناس

جاء في بعض الآثار أن العبد إذا أذنب ذنبًا تباعد عنه الملك ميلاً من رائحة الذنب.. الحمد لله أننا لا نشم روائح ذنوبنا وإلا فإنها تزكم الأنوف وتملأ الأرض نتنًا.. وهل نظن أن كلامنا أقل من كلمة عائشة رضي الله عنها لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن صفية أم المؤمنين: حسبك من صفية كذا وكذا تعني أنها قصيرة فقال صلى الله عليه وسلم: «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته». أي لو اختلطت بماء البحر لانتن البحر كله.
ويا رعاك الله: احفظ لسانك ولا تسئ الظن بالآخرين, لا تنظر إلى عيوب الناس وانظر إلى عيوبك, وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يرى أحدكم القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينيه»، يعني ذنوبه ومعايبه التي هي أكبر وأعظم من زلات أخيه المسلم وعيوبه. والمسلم لا يتتبع الزلات ولا العثرات لأن المروءة تقتضي أن يعفي الزلات لقول النبي صلى الله عليه وسلم – في سنن أبي داود -: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم, فوالذي نفسي بيده إن أحدهم ليعثر ويده بيد الرحمن». ومن هنا قال بعض العلماء: إن الدعاوي على المعروفين بالصلاح لا يقبل من المستهترين والفساق, وإذا جاء فاسق يرفع دعوى إلى محكمة إسلامية على رجل معروف بالصلاح والتقوى، يسجن المستهتر والفاسق، حتى لا يتطاول الأشرار على الأبرار، وحتى لا تستطيل ألسن الفساق في أعراض الأخيار الذين عرفوا بصلاحهم وتقواهم. عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول  الله، صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان إلى قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته, ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في جوف بيته» (7984 صحيح الجامع الصغير). {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضًا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم{(الحجرات 13).

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.