باوهاوس ثورة معمارية مستمرة منذ قرن

باوهاوس ثورة معمارية مستمرة منذ قرن
باوهاوس للاثاث

ما زالت ثورة باوهاوس قادرة على الابتكار والتطور بعد قرن من بدايتها. عبرت القرن العشرين ودخلت القرن الواحد والعشرين وما زال هدفها كما هو: خدمة الفن وخدمة المجتمع. كانت باوهاوس ثورة قامت لأول مرة بالدمج بين الفنون الجميلة وبين الفنون التطبيقية. ما زالت التفرقة بينهما موجودة حيث توجد كليات للفنون الجميلة وأخرى للفنون التطبيقية، لكن ثورة باوهاوس تجاوزت هذا التقسيم. ما زال نمط باوهاوس مميزاً يحافظ على خصائصه الرئيسة: البراجماتية والصراحة والحداثة والجمع بين التقنية والفن. ما زال ينتسب إليه التصميم الحديث في الأثاث والديكور والأدوات المنزلية.

باوهاوس ثورة معمارية مستمرة منذ قرن
باوهاوس للاثاث

وضعت باوهاوس أساس التصميم الصناعي الحديث وما زالت حاضرة في التصميم المعماري. يكفي أن تنظر إلى الكراسي والمناضد الصغيرة الملونة المنتشرة في أماكن كثيرة والمناضد الصغيرة المتداخلة لتعرف أنها نتاج باوهاوس.

سمات مدرسة الباوهاوس

في 3 نيسان (أبريل) 1863 ولد هنري فان دي فيلده في بلجيكا الذي أصبح أحد أكبر المعماريين في القرن العشرين. كان واسع الخيال متعدد الاهتمامات الفنية فبدأ بالرسم وتحول إلى التصميم المعماري والعمارة الداخلية وتصميم الأثاث والأجهزة الكهربائية وحتى الملابس! لكن أهم ما قام به دي فيلده هو تأسيسه لطراز باوهاوس. مع بدايات القرن العشرين استقر في مدينة فايمار الألمانية التي عاش فيها الكبار: الأديب يوهان جوتة والشاعر والفيلسوف فردريش شيلر والفيلسوف فردريش نيتشه. عمل دي فيلده مستشاراً للمدرسة الدوقية للفنون والحرف ثم مديراً لها، وصمم المبنى الجديد لهذه المدرسة التي أضيفت إلى قائمة اليونسكو للتراث العالمي عام 1995. درّس طلاب المدرسة التصميم المعماري الحديث المرتبط بالفن والذي أُطلِق عليه فيما بعد اسم باوهاوس. أسس عام 1905 جمعية تهتم بهذا التصميم وما زالت هذه الجمعية قائمة حتى اليوم تضم أجيالاً من المتخصصين في هذا الطراز. من العلامات المهمة في تاريخ دي فيلده تصميم مركز لأرشيف الفيلسوف الألماني فردريش نيتشه بناء على طلب أخت الفيلسوف عام 1902 في مدينة فايمار وما زال المبنى قائماً. غادر دي فيلده ألمانيا عام 1917 بعد تزايد مشاعر العنصرية ضد الأجانب أثناء الحرب العالمية الأولى ليعيش في سويسرا ثم في بلجيكا، وطلب أن يخلفه في إدارة المدرسة الدوقية للفنون والحرف المعماري الألماني فالتر جروبيوس. طور جروبيوس أفكار دي فيلده واستفاد من الاتجاهات الفنية التي ظهرت وقتها مثل البنائية ودي شتايل، وأطلق على المدرسة اسم «باوهاس» الذي يعني حرفياً «بناء بيت»، لكنه يعني فنياً مدرسة تجمع بين التصميم والعمارة والفنون التطبيقية. نجحت المدرسة في تصميم مبانٍ تتناسب مع حاجة السوق الكبيرة. انتقلت هذه المدرسة إلى مدينة ديساو عام 1925 وقد صمم جروبيوس مبنى المدرسة هناك، وانتقلت مرة أخرى إلى برلين عام 1932. مع انتقال المدرسة إلى ديساو تحول التركيز من الفن والحرف إلى التصوير الفوتوغرافي والتصميم. كان هدفهم تصميم أثاث للبيت العصري اعتماداً على المواد الخفيفة، وسعوا إلى الإيحاء بالخفة في أعمالهم. أرادوا الابتعاد عن الأثاث الثقيل الذي انتشر قبل ذلك في أوروبا. لخص المعماري مارسيل بروير فكرهم بقوله: «أريد أن أصنع أثاثاً يشعر الجالس عليه أنه جالس في الهواء».

مدرسة الباوهاوس في التصميم الداخلي

واقع الأمر أن فكرة الباوهاوس لم تنشأ من فراغ، فابتداء من منتصف القرن التاسع عشر بحث المصمم الإنكليزي وليام موريس عن إيجاد تصميمات مناسبة لحرف يدوية عالية المستوى. بحلول العقد الأخير من ذلك القرن، أدت هذه الجهود إلى حركة الفنون والحرف اليدوية. زادت هذه الحركة من الانتباه إلى التصميم الجيد لكل جانب من جوانب الحياة اليومية. رفضت مدرسة باوهاوس بعد ذلك تركيز حركة الفنون والحرف اليدوية على الأشياء الفاخرة المنفذة في شكل فردي، مدركة أن الإنتاج الآلي يجب أن يكون شرطاً مسبقاً للتصميم إذا كان لهذا الجهد أن يؤثر في القرن العشرين. وجه جروبيوس جهود المدرسة في التصميم نحو الإنتاج الضخم. سار المصممون الحديثون على نموذج جروبيوس في إنتاج تصميمات تحقق الوظيفة والجمال للمجتمع بدلا من إنتاج فردي للنخبة الثرية.

اتجاهات مدرسة الباوهاوس

قبل قبولهم في ورش العمل، كان الطلاب في مدرسة باوهاوس مطالبين بالحصول على دورة تمهيدية مدتها ستة أشهر، قام بالتدريس فيها بطرق مختلفة الفنانين: يوهانس إيتين ، جوزيف ألبرز ولازلو موهولي ناجي. كانت ورش العمل تضم: النجارة، المعادن، الفخار ، الزجاج الملون، الرسم على الجدران، النسيج، الرسم والطباعة. كان يقوم بالتدريس فيها شخصان: فنان يركز على النظرية، وحرفي يعلم التقنيات والعمليات الفنية. بعد ثلاث سنوات من التعليم يحصل الطالب على شهادة. انضم إلى مدرسة باوهاوس العديد من الفنانين البارزين في القرن العشرين مثل بول كلي الذي درّس الزجاج الملون والرسم، فاسيلي كاندينسكي الذي درّس التصوير الجداري، ليونيل فايننجر (فن الجرافيك)، أوسكار شليمر (النحت)، مارسيل بروير (التصميم الداخلي)، هربرت باير (الطباعة والإعلان)، جيرهارد ماركس (الفخار)، وجورج موش (النسيج).

علاقة الشكل بالوظيفة في مدرسة الباوهاوس

معمارياً اعتبر الطراز الهندسي الحاد لكن الأنيق الذي تم تنفيذه باقتصاد كبير في الوسائل من سمات باوهاوس، علماً بأن الأعمال التي تم تنفيذها كانت متنوعة في شكل كبير. شارك أعضاء باوهاوس في أعمال معمارية منذ عام 1919، لا سيما بناء الأحياء الإدارية والتعليمية والسكنية التي صممها المعماري جروبيوس في مدينة ديساو. على الرغم من ذلك لم يتم إنشاء قسم للهندسة المعمارية، المركزي في برنامج جروبيوس عند تأسيس هذه المدرسة الفريدة، إلا عام 1927. في هذا العام عُين هانز ماير، المهندس المعماري السويسري ، رئيساً لهذا القسم. بعد استقالة جروبيوس في العام التالي، أصبح ماير مديراً لباوهاوس حتى عام 1930. طُلِب منه الاستقالة بسبب آرائه السياسية اليسارية. أصبح «لودفيج مايس فان دير روه» المدير الجديد حتى أجبر النظام النازي المدرسة على الإغلاق عام 1933. على رغم عمرها القصير حققت المدرسة إنجازات ضخمة، وجمعت مواهب هائلة، كما اُعتبِرت علامة أساسية في تاريخ ما يسمى بالحداثة.

كان لباوهاس تأثير بعيد المدى. تم إعادة إنتاج منتجات ورش عملها على نطاق واسع. يدين الانتشار الواسع للتصاميم العملية غير المزخرفة لأدوات الاستخدام اليومي بالكثير لمبدأ باوهاوس ونموذجه. تم نقل أساليب التدريس ومُثل باوهاوس إلى جميع أنحاء العالم. اليوم، يشتمل كل منهج للفن تقريباً على مقررات تمهيدية يتعرف فيها الطلاب على نموذج باوهاوس في العناصر الأساسية للتصميم. من بين أشهر الجهود التعليمية التي استلهمت باوهاوس كان إنجاز موهولي ناجي، الذي أسس معهد باوهاوس جديد في شيكاغو في عام 1937، سُمي فيما بعد معهد التصميم. هو العام نفسه الذي عُين فيه جروبيوس عميدا لمدرسة هارفارد للهندسة المعمارية.

أهم فنانين مدرسة الباوهاوس

وصل تأثير باوهاوس إلى الصين، كما يشهد مبنى متحف التصميم في مدينة هانشو الذي تأثر تصميمه المعماري بنمط باوهاوس حيث صمم بخطوط مستقيمة على عكس محيطه. من قبل، كان هناك مصنع وسط بكين بناه عام 1954 معماريون ألمان وروس على نمط باوهاوس دون أن يكونوا من هذه المدرسة. إنه نوع معين من تراث العمارة الصناعية، إذا جاز التعبير، الذي أشار له بقوة مهندسو الباوهاوس، والذي يوضح أنها حركة عالمية معقدة تزدهر مع التغيير. تحول هذا المصنع بعد أن توقف عن العمل إلى مساحة من الفن والعمل والحياة اليومية في مكان واحد.

ضمن هذا الانتشار لفن باوهاوس تأسس في مدينة تل أبيب عام 2000 مركز له. ومنذ خمس سنوات، في قلب مدينة دوسلدورف الألمانية، صمم المعماري الشاب جورج دورينج بيته على طراز باوهاوس على نحو يريطه بالطبيعة، عن طريق كثرة الواجهات الزجاجية والفتحات المؤدية مباشرة إلى الحديقة، كما سار على خطى باوهاوس بتصميم أثاث المنزل بنفسه أيضاً، انتشر الاهتمام بطراز باوهاوس في أنحاء مختلفة من العالم، تشهد على ذلك المعارض التي تقام احتفالا بمرور قرن عليه في عدة دول.

أعمال مدرسة الباوهاوس

يمكن القول إن مدرسة باوهاوس هي الإنجاز الأهم في التصميم المعماري والتطبيقي في ألمانيا، حيث يُعتبر الألمان أقل شهرة في هذا المجال، في حين يبدو تميزهم في مجالي الهندسة المدنية والطاقة الشمسية. يُعد باوهاوس النموذج الهندسي المعماري الألماني الأشهر في العالم، لكنه اليوم يشتهر أكثر في الولايات المتحدة حيث يوجد 22 مكتباً وفي بريطانيا يوجد 17 مكتباً، أما في ألمانيا فلا يوجد سوى ثلاثة مكاتب هندسية تحمل شارة باوهاوس. قيمة الهندسة المعمارية لا تقاس، ومع ذلك فقد وضعت وكالة «باومكس» المتخصصة ترتيباً للمكاتب المعمارية المنشغلة بالباوهاوس، واستندت في ذلك إلى عدد منشوراتها في المجلات المتخصصة في هذا الشأن. بينت النتائج أن باوهاوس ظاهرة تاريخية لا يمكن تكرارها مع أن مبادئها لا تزال حاضرة حتى اليوم.

تابعنا على تلغرام تابعنا على تويتر