ما هي الأمراض المزمنة والصحة العقلية

التطورات الحديثة في الطب تعني أن العديد من الناس الذين يعانون أمراضًا خطيرة ومستعصية على المعالجة والشفاء يعيشون مدة طويلة، ومن بين هؤلاء الأشخاص الأطفال، وعليه فهناك الآن كثير من الأطفال يعيشون مدة طويلة وهم يعانون مرضًا أو إعاقة خطيرة. تشير بعض الإحصاءات في المملكة المتحدة إلى أن هناك طفلاً واحدًا من بين كل خمسة أطفال تقريبًا يعاني شكلاً من أشكال الإعاقة طويلة الأمد، والتي تكون إما مرضًا مزمنًا (5%) وصعوبات في تعلم المهارات المختلفة (5%) وإمّا مشكلات عقلية (10%)، وهذا يعني أن هناك حوالي مليوني طفل في المملكة المتحدة يعانون الإعاقة.

لا يعرف معظم الناس أن الطفل الذي ظل يعاني مرضًا جسديًا لمدة طويلة من المرجح جدًا أن يتطور لديه شكل من أنواع المشكلات الصحية العقلية. وحقيقة الأمر أن احتمال أن يظهر هؤلاء الأطفال علامات مشكلات عاطفية أو سلوكًا مزعجًا تعادل الضعف مقارنة بالأطفال الأصحاء، كما أن الطفل الذي يعاني مشكلة تؤثر في العقل مثل داء الصرع أو الشلل الدماغي فإنه من المرجح جدًا أن يتعرض لمشكلة من مثل هذا النوع بنسبة 5 إلى 1، مقارنة بالأطفال الذين يتمتعون بكامل صحتهم.

لماذا أضحت المشكلات الصحية العقلية شائعة ؟

إن المرض أو الإعاقة الخطيرة قد يؤثران في جميع أوجه حياة طفلك، حيث إنهما يؤثران في نموه وتطوره الجسدي وفرصه الحالية والمستقبلية في الحياة، كما أنهما يؤثران أيضًا في حياة الأسرة، إن المرض المزمن قد يسبب جهدًا كبيرًا وضغطًا نفسيًا على كل فرد من أفراد الأسرة وبخاصة الوالدان، كما يعاني هؤلاء الأطفال المرضى تجارب مريرة مقارنة بالأطفال الآخرين الذين لا يعانون مثل هذه الأمراض، ومن الطبيعي أن يسبب هذا المرض ضغطًا نفسيًا على هؤلاء الأطفال، وينعكس ذلك على تصرفاتهم وسلوكياتهم وهذا من شأنه أن يفاقم مشكلاتهم الصحية ويجعل حياتهم أكثر صعوبة وتعقيدًا.

الأمراض المزمنة 

كيف يؤثر المرض المزمن في الطفل والأسرة ؟

إن معظم الآباء والأطفال عقب الوصول إلى تشخيص مرض خطير محتمل أو طويل الأمد يمرون بمرحلة عصبية يصلون في نهايتها إلى مرحلة التعايش مع هذا المرض.

المراحل الأولى :

من المؤلم أن تعلم أن طفلك يعاني مرضًا خطيرًا، كما أن ذلك يشكل صدمة كبيرة وإحباطًا لطفلك حين يقف على هذه الحقيقة، إن أثر ذلك في الطفل وأسرته يماثل الشعور بالحزن والألم عند موت أحد الأشخاص، خصوصًا إذا كان من أفراد الأسرة، إنه لأمر طبيعي أن يخالجك شعور مزدوج من الانفعالات والعواطف في هذا الوقت ـ صدمة، ورفض للواقع، وحزن وغضب.

ما هي الأمراض المزمنة

الصدمة :

يصاب معظم الناس بالقلق والإحباط في الوهلة الأولى عند سماعهم أنباء حزينة.

رفض الواقع :

قد لا ترغب بعد الصدمة الأولى في الإقرار بالتشخيص، وماذا يعني ذلك مستقبلاً. إن هذا النكران للواقع قد يكون مفيدًا بالنسبة إليك ولطفلك المريض، حيث إنه يجعلكم تتعايشون تدريجيًا مع المرض. ومن ناحية أخرى إذا استمر هذا الوضع لمدة طويلة فإن ذلك من شأنه أن يتمخض عن نتائج سلبية، حيث إن الطفل قد يرفض التعاون مع أسلوب المعالجة، أو قد يقوم بمخاطر غير ضرورية، كما أنك قد لا تكون قادرًا على تشجيعه للاستمرار في المعالجة، أو قد تدعي أنه لا يعاني شيئًا غير طبيعي.

ما هي الأمراض المزمنة
تعريف الأمراض المزمنة

 

الحزن والغضب :

عندما تتسرب الأنباء في النفوس فإن كثيرًا من الناس بمن فيهم الأشخاص الكبار والأطفال يصابون بالحزن والغضب، وقد تجد نفسك تسأل بغضب لماذا طفلي بالذات؟ أو لماذا نحن؟ ونتيجة لذلك قد يصاب طفلك بالإحباط وتفقد السيطرة على انفعالاته، كما أنه من الطبيعي ولفترة من الزمن أن تجد نفسك تود توجيه اللوم إلى شخص ما أو قد تجد نفسك تلوم الآخرين، طفلك أو حتى نفسك.

إن هذه الانفعالات شيء طبيعي وهي تعكس كيف أننا نتعود ونتعايش مع ما كنا نعتقد أنه مأساة تدميرية للأسرة.

الآثار طويلة الأمد :

إن المرض أو الإعاقة طويلة الأمد يمكن أن يؤثرا في جميع أفراد الأسرة، كما أن حظوظ الطفل المتأثر بالمرض والإعاقة قليلة في تعلم المهارات اليومية وتطوير قدراته وهواياته، فمثلاً إن الطفل المصاب بشلل مخي يعاني إعاقات جسدية تحد من حركته، وبالتالي تقيد استقلاله وتجعله يعتمد على الآخرين في أداء أنشطته اليومية، كما أن الربو الشعبي قد يحد من مشاركة الطفل في التمارين والأنشطة الرياضية المختلفة، ومن الناحية الأخرى فإن مشكلات التعليم شائعة في مثل هذه الأحوال، حيث إن الطفل قد يتغيب كثيرًا عن المدرسة أو يواجه مصاعب خاصة في مجال التعليم وقد لا يتوقع منه المعلمون كثيرًا وفقًا لإمكاناته وظروفه الصحية، كما أن مفهوم الطفل لهويته قد يتغير وقد يفقد الثقة بنفسه. كما أن هؤلاء الأطفال قد يرون أنفسهم مختلفين عن الأطفال الآخرين، وهم يكرهون ذلك وأن بعض الأطفال الكبار قد يصابون بالاكتئاب.

كما أنك أحيانًا قد تلوم نفسك أو زوجتك بسبب هذا المرض الذي أصاب طفلك علاوة على ذلك فإنك قد لا تتفق بينك وبين نفسك في مدى إعاقة طفلك، وما أفضل طريقة للقيام برعايته، خصوصًا عند الوهلة الأولى، عندما يجد الآباء أنفسهم يبالغون في حماية ذلك الطفل.

ورعايته بل قد تجد صعوبة في أن تقول «لا» مثلما كنت تفعل في السابق ، وهو ما يؤدي إلى صعوبة السيطرة على طفلك، وهذا بدوره يؤدي إلى انفلات في النظام وحدوث نزاعات ومشكلات بين الزوجين.

ومن جهة أخرى فقد تكون هناك صعوبة وارتباك في الانسجام مع جميع الأطباء المختلفين والاختصاصيين الآخرين الذين شاركوا في معالجة طفلك. كما أن الدخول والخروج من المستشفى قد يعكر صفو حياة الأسرة بدرجة كبيرة. أما إذا كان للمريض مضاعفات خطيرة أو يمثل تهديدًا خطيرًا لحياة الفرد مثل: اللوكيميا (سرطان الدم)، أو المرض الكلوي فإن ذلك قد يكون محبطًا لكل فرد من أفراد الأسرة.

كما أن أشقاء الطفل المريض وشقيقاته قد يشعرون أحيانًا بأنهم أصبحوا مهملين من جانب الوالدين، وأن شقيقهم المريض يستحوذ على كل الاهتمام والرعاية. بل قد يشعرون بالارتباك نتيجة سلوك شقيقهم أو شقيقتهم أو آثار ذلك المرض في مظهرهم أو سلوكهم.

كما أن بعضهم قد يتغيب عن المدرسة، وينسحب من الحياة الاجتماعية أو يفقد الأصدقاء لهذا السبب، وأن هذه الصعوبات قد تسبب مشكلات عاطفية وسلوكية بين أفراد الأسرة.

كيف تستخلص أفضل النتائج من هذه المآسي :

من المهم أن تتذكر أنه رغم أن المرض طويل الأمد يحدث إرباكًا شديدًا في الأسر فإن معظم الأطفال والآباء يتعايشون مع هذه الأمراض بصورة حسنة. هناك أقلية فقط من الناس يعانون مشكلات في التعايش مع هذه الأمراض المستعصية والإعاقات الملازمة لأطفالهم. إن طفلك في حاجة إلى أن يحيا حياة طبيعية مثل سائر الأطفال الآخرين، لذا ينبغي عليك مساعدتهم على الخروج والاندماج مع الأطفال الآخرين في مثل سنهم وتشجيعهم بروح تفاؤلية نحو حياة ومستقبل أفضل.

هناك الكثير يمكن عمله لتفادي تطور المشكلات وتعميقها. إن الآباء الذين يقدرون الأثر العاطفي للمرض في الطفل وفي أفراد الأسرة الآخرين هم أفضل حالاً، حيث إنهم يكتشفون المشكلات مبكرًا ويعملون ما في وسعهم على مجابهة تلك المشكلات وحلها.

إن الاعتقاد الراسخ بأن هناك دعمًا ومساعدة يمكن أن يقدما لهؤلاء الأطفال وأسرهم أمر مهم جدًا في تخفيف الضغط الذي تواجهه هذه الأسر، والتي يعاني أطفالهم إعاقات وأمراضًا مستعصية.

إضافة إلى الدعم من الأسرة والأصدقاء فإن الحاجة قد تدعو إلى دعم الخدمات الاجتماعية والاختصاصيين الآخرين ومساعدتهم. وفي هذا الصدد فإن الخدمات الاجتماعية تستطيع تقديم النصيحة عن الدعم العملي، كما أن الجهاز الطبي والتمريض بالمستشفيات يمكنه تقديم الدعم والمساعدة الطبية والتمريضية.

ومن جهة أخرى فإن المنظمات التطوعية يمكن أن تقدم كثيرًا من الدعم لكثير من الأسر، كما أن المدرسة قد تقوم بوضع ترتيبات خاصة لطفلك لتتلاءم وظروفه الصحية، وتعمل على تذليل العقبات التي تواجهه في المدرسة. إن الطفل الذي تكون له احتياجات معقدة ويخضع لمعالجة من عدة أطراف فإنه من المفيد أن يجتمع الفريق المعالج من وقت إلى آخر للتأكد من أن كل فرد من أفراد هذا الفريق على علم ومعرفة بخطة المعالجة والدور الذي يقوم به كل فرد في هذا الفريق في تقديم المعالجة.

إذا كانت هناك علامات توحي بأن طفلك يقوم بتطوير مشكلات عاطفية أو سلوكية فعندئذ قد تكون هناك حاجة إلى طلب استشارة طبيب العائلة، والذي قد يقوم إذا دعت الضرورة بإحالة الطفل إلى قسم خدمات الصحة العقلية للأطفال والمراهقين لتلقي معالجة تخصصية. كما أنه من المفيد أن تكون على ارتباط وصلة مع الاختصاصيين الآخرين الذين شاركوا في معالجة طفلك، حيث إن ذلك من شأنه المساعدة على تحديد المشكلات المتعلقة بالمعالجة، كما أنه يضمن أن الجميع يعملون كفريق علاج واحد بطريقة فعالة.