البيمارستانات في تاريخ الحضارة الإسلامية

البيمارستانات في تاريخ الحضارة الإسلامية
معنى البيمارستان

الحضارة الإسلامية أمدت الحضارة الإنسانية بالعديد من المنجزات العلمية التي شهد بها علماء الغرب ومفكروه أنفسهم، اهتمام الدولة الإسلامية منذ نشأتها بالبيمارستانات أو المستشفيات دليل على رقي هذه الدولة وفضل الحضارة الإسلامية، هذا الكتاب وضعه مؤلفه عام 1938 ويأتي تكملة لكتاب ابن أبي أصيبعة حول طبقات الأطباء، تتجلى عظمة الإسلام بما قدمه للإنسانية من حضارة عظيمة شهد بها العديد من المفكرين والمستشرقين الغربيين من أمثال: جب هاملتون، والألمانية زيغريد هونكه، وآدم متز…، فقد تناول كل واحد من هؤلاء جانبًا من جوانب الحضارة الإسلامية، وأبرز في دراساته سمو الحضارة الإسلامية على غيرها من الحضارات، وذلك في مجموعة العلوم الإنسانية التي شهدتها الدولة الإسلامية، مثل: علوم الجغرافية، والحساب، والفلك، والتاريخ، والطب، والصيدلة، وأدب الرحلات إلى غير ذلك من سائر العلوم والفنون.

البيمارستانات في الحضارة الإسلامية

وبرزت ظاهرة بناء المستشفيات في الدول الإسلامية التي عرفت باسم (البيمارستانات) التي رافق نشأتها بناء مدارس لتعليم الطب، فكان هذا العمل تتويجًا لسمو حضارة الإسلام الإنسانية.

معنى البيمارستان

 

ولإبراز هذا الجانب وإنصاف الحضارة الإسلامية فقد نال الطبيب أحمد عيسى قصب السبق في إبراز هذا الوجه الحضاري للتاريخ الإسلامي الإنساني، وذلك في كتابه القيم (البيمارستانات في الإسلام)، فقد ذهب المؤلف في تأصيل هذا الجانب الحضاري الإسلامي إلى أنه من عطاءات الحضارة الإسلامية، وبين في دراسته أن خيمة الصحابية (رفيدة) في غزوة الخندق كانت بمنزلة أول مستشفى يعالج فيها جرحى المسلمين، وقد زار الرسول [ سعد بن معاذ عندما جرح فيها، أي في الغزوة.

وأول من بنى البيمارستان في دار الإسلام كان الخليفة الوليد بن عبدالملك (88هـ – 706م)، وأوقف له خدمًا وأرزاقًا لخدمة المرضى، كما نهضت الدولة الإسلامية المتلاحقة بافتتاح مدارس علوم الطب والصيدلة.

ولم يقتصر هذا العلم على الرجال، فقد عرف المسلمون أن العديد من النساء قد مارسن مهنة الطب. وأشار مؤلف الكتاب إلى أن من يزاول مهنة الطب يجب أن يكون حاصلاً على إجازة في الطب، وأن يقدم بحثًا يمتحن فيه في تحديد مستواه وقدرته على مزاولة هذه المهنة.

كما أشار المؤلف في كتابه إلى ابن أبي أصيبعة الطبيب المشهور في المستشفى المنصوري بدمشق، المولود بدمشق سنة (600 هـ ـ 1203م) والمتوفى سنة ( 668 هـ ـ 1270م). الذي كان والده طبيبًا قبله قد ورث هذه المهنة عن أبيه، وترك كتابًا عظيمًا يتكلم عن أخبار الأطباء والمستشفيات في المجتمعات الإسلامية، وقد عرف الكتاب بـ«عيون الألباء في طبقات الأطباء»، وذهب المؤلف في ملحق الكتاب يتناول أسماء الأطباء من بعد ابن أبي أصيبعة حتى عصر المؤلف د. أحمد عيسى، رحمه الله.

وهذا الكتاب (تاريخ البيمارستانات في الإسلام) طبع أول مرة على نفقة جمعية التمدن الإسلامي بدمشق في ذي القعدة 1357 هـ ـ 1938م، وأشرف على طباعته الأستاذ سعيد الأفغاني، رحمه الله، ثم أعادت طباعته ثانية دار الرائد العربي ـ لبنان ـ بيروت 1401هـ ـ 1981م.

أما د. أحمد عيسى كما ترجم له الزركلي في كتابه الأعلام ( 1293 هـ إلى 1365هـ الموافق 1876م إلى 1946م) فهو:

«أحمد عيسى، طبيب مصري، مؤرخ أديب، ولد ببلدة (أرشيد) في مصر، وتعلم بها، ثم التحق بالمدرسة الخديوية، فمدرسة الطب بالقاهرة، تخصص في أمراض النساء واشتغل بالطب الباطني، وعمل في بعض المستشفيات، واستقال بعد ذلك ليتفرغ لدراسات أخرى، خصوصًا في اللغات السامية واليونانية والعربية واللاتينية. واهتم بالتاريخ الإسلامي، وكان من أعضاء جمعية الهلال الأحمر، والمجلس الأعلى لدار الكتب المصرية ومجلس الشيوخ نفسه (1923م إلى 1925م)، كان كريم النفس والخلق، مقلاً من مخالطة الناس إلا خواص عشرائه، كان عضوًا بالمجمع العلمي المصري والمجمع العلمي السوري بدمشق، وعضوًا بالأكاديمية الفرنسية لتاريخ العلوم في باريس، توفي، رحمه الله، بالقاهرة».

(الزركلي ج1 صفحة 191).

ومن هنا تأتي أهمية الكتاب وذلك من خلال معرفة مؤلفه ومكانته العلمية والاجتماعية وعضويته بالعديد من المجامع العلمية في العالم العربي وخارجه.

آثاره العلمية

تنوعت وتعددت آثار د. أحمد عيسى العلمية، فكانت متنوعة في علومها وفنونها، وقد تم إحصاء ثمانية عشر مؤلفًا له، كما جاء في بيان مؤلفاته الموضوعة في آخر الكتاب، فقد جمع بين علوم الطب وعلوم النبات وعلوم اللغة، كما أشرت في سياق الحديث عن كتابه الخاص (البيمارستانات في التاريخ الإسلامي) إلى تكملة كتاب ابن أبي أصيبعة (عيون الألباء في طبقات الأطباء)، فقد أكمل د. أحمد كتاب ابن أبي أصيبعة، وذلك بحصر وإحصاء من جاء بعد ابن أبي أصيبعة حتى عصر الدكتور أحمد وقبل وفاته سنة 1946.

وقد اخترت من مؤلفات د. أحمد عيسى هذه المجموعة من مجموع آثاره العلمية فكانت كما يلي:

  •  آلات الطب والجراحة والكحالة عند العرب.
  • تاريخ البيمارستانات في العهد الإسلامي، نشر باللغة الفرنسية.
  • تاريخ علم النبات عند العرب.
  • ألعاب الصبيان عند العرب.
  • الدعاء للإنسان وعليه.
  • المستحسن والمأثور من كلام الأطباء.
  • معجم لمصطلحات العلوم الطبية، يحتوي على نحو سبعين ألف مصطلح بالإنجليزية والفرنسية والعربية.
  • كتاب تاريخ الطب من القرن السابع الهجري إلى عصرنا هذا (وهو تكملة لكتاب عيون الألباء في طبقات الأطباء) لابن أبي أصيبعة ويحتوي على (800) ترجمة.

 تاريخ حياة ابن سينا ومؤلفاته ومظان وجودها

وثمة عدد من الكتب التي تزيد على العشرة، وهي معنية باللغة العربية وأمراض النساء، وغير ذلك من سائر العلوم.

وصف كتاب(تاريخ البيمارستانات في الإسلام)

جاء الكتاب في تعداد صفحاته في اثنتين وتسعين صفحة بعد المئتين، يتقدم الصفحات الأولى اثنتان وعشرون صفحة مرقمة بتسلسل هجائي حرفي، احتوت هذه الصفحات على مقدمة الأستاذ سعيد الأفغاني، ثم تلا المقدمة فهرس لمواد الكتاب، ثم فهرس بأسماء البيمارستانات ودور الشفاء ومدارس علوم الطب والصيدلة، مرتبة حسب حروف الهجاء، ثم تلا هذا الفهرس عرض الكتاب في أبوابه وموضوعاته وبنهاية عرض الكتاب في الصفحة (292) ملحق خاص وفيه فهرس لصور خاصة بأبنية البيمارستانات وأبوابها. وفيما يلي هذا الفهرس بيان بمصنفات المؤلف ومؤلفاته التي بلغت ثمانية عشر كتابًا وجميعها تم طباعتها ونشرها.

مواضيع الكتاب

جاء الكتاب في بابين، وفي كل باب العديد من الموضوعات التي تتبع هذين البابين، وذلك كما يلي :

الباب الأول:

جاء هذا الباب في بيان تاريخ نشأة البيمارستانات وأرزاقها والمدارس الملحقة فيها، وعلوم الطب والصيدلة، وطبقات الأطباء، وطريقة منح الإجازة في الطب لمن يزاول هذه المهنة، والحسبة والمحتسب على كل من الأطباء، والكحالين والجراحين والمجبرين.

الباب الثاني:

في بيمارستانات البلاد الإسلامية وحصرها وتعدادها، وقد أحصى عددها من خلال بيان ما أورده صاحب الكتاب، حيث بلغت أكثر من خمسين بيمارستانًا، فبدأ بأولها فكان بيمارستان جنديسابور وأطباءه وآخر هذه البيمارستانات هو دار الشفاء بيواس.

وغالبًا ما تحدث صاحب الكتاب عن أطباء لبعض هذه البيمارستانات، ذاكرًا أسماءهم من سياق الحديث عن هذه البيمارستانات التي غالبًا ما يرافقها وجود مدارس لدراسة الطب فيها والصيدلة.

وقد خلص المؤلف إلى وضع فهرس يحتوي على عدد من الصور الخاصة بأبنية هذه البيمارستانات وأبوابها، وصور للوحات رخامية تبين تاريخ بناء البيمارستان ومن بناه، مثل الحجر الرخامي الخاص ببيمارستان غرناطة، الذي يعود إلى سنة (767هـ ـ 768هـ)، الذي بناه السلطان محمد الخامس من بني نصر الغني بالله، والذي كان خاصًا بمرضى غرناطة.

ذلك هو ما أورده صاحب الكتاب د. أحمد عيسى، رحمه الله، في بيان الوجه الحضاري الإسلامي في تاريخ الحضارة الإنسانية جمعاء، فكانت هذه الحضارة شامة مميزة في جبين الحضارة الإنسانية، شهد بعدالتها وإنسانيتها واقع ما تعيشه الإنسانية في هذه الأيام.