يواجه الكثير من الناس صعوبة في تناول كميات كافية ومتنوعة ومناسبة من الغذاء يوميًا، مع أن الكثير من الأغذية كمًا ونوعًا متوفر لهم، إلا أنهم يفتقدون التوجهات والمفاهيم والمعلومات التي تمكنهم من اختيار الأغذية المناسبة. وكلتا الحالتين من نقص في التغذية والإكثار منها تقود إلى سوء التغذية وإلى الأمراض الناجمة عن عدم تناول الغذاء المتوازن، ففي النظرة الطبية لسوء التغذية الفقر والرفاهية وجهان لعملة واحدة.
مكونات الغذاء المتوازن
تناول الغذاء هو أحد متع الحياة، وعادة يزيد الاستمتاع بالغذاء لدى الأشخاص الذين يتناولون قدرًا كافيًا من الأغذية يستمتعون بها بدرجة تفوق تلبية احتياجاتهم الحياتية، كما أن للأشخاص مذاقهم الخاص للطعام وعاداتهم المختلفة في إعداده وتناوله، كما تختلف الاحتياجات الغذائية من شخص لآخر حسب المرحلة العمرية وشدة الأنشطة التي يمارسها.
أهمية الغذاء المتوازن
ومن وجهة النظر التغذوية فلا يوجد غذاء «جيد» أو غذاء «رديء». بل يمكن للإنسان أن يستمتع بالأغذية المختلفة شرط التوازن بين مختلف المجموعات الغذائية بحيث يتم تناول نسب محددة من كل مجموعة غذائية، وهذا ما يسمى بالهرم الغذائي.
عند الحديث عن النمط المعيشي الغذائي الصحي، يجب أولاً معرفة قدر الانحراف الذي طرأ على طبيعة الغذاء في العصر الحديث مثل انتشار استهلاك الوجبات السريعة، والمشروبات الغازية، وإهمال وجبة الفطور، وزيادة أوقات الأكل وكميته، وستبدو لنا حقيقتان.
على ماذا يحتوي الغذاء المتوازن ؟
أولاً: أن الأمراض المرتبطة بزيادة كميات الغذاء أصبحت أكثر انتشارًا في الدول التي تسارع نموها وتأثرها بالتقدم التكنولوجي، ومن هذه الأمراض أمراض القلب والشرايين، والداء السكري، والسمنة، وتسوس الأسنان، وهشاشة العظام والسرطانات.
ثانيًا: دخول العادات الغذائية الجديدة القادمة من الدول المتقدمة صناعيًا (كالوجبات السريعة، والمشروبات المصنعة) وتناقص الإقبال على شرب الحليب واختلاف أوقات الوجبات الغذائية وإهمال وجبة الإفطار.
تؤكد الدراسات والإحصائيات أن الأنماط الغذائية الخاطئة المذكورة من الأسباب الرئيسة للسمنة ومضاعفاتها من أمراض القلب والسكري وغيرهما، كما أن إقبال المراهقين والشباب على هذه الوجبات أصبح في حكم النمط المعيشي ويتكرر يوميًا، بل أصبح ذلك مقبولاً لدى الوالدين الذين قد يشاركون أبناءهم تناول وجبات غير متوازنة ويستمتعون بها وتربط بالمناسبات السعيدة للأسرة.
فوائد الغذاء المتوازن
تؤدي الصناعات الغذائية دورًا آخر في إخفاء الحقائق الغذائية فيما يضر وما ينفع، وذلك بهدف الترويج لمنتجاتها وتحقيق الربح، ويتضح ذلك من أن تفاعل الصحة مع الغذاء أمرها تراكمي، بمعنى أن الآثار الضارة لسوء استهلاك وعدم توازن الوجبات لا تظهر بين عشية وضحاها، بل تتراكم مع السنين، فما يبلغ الإنسان سن ما بعد الشباب حتى يبدأ في الشكوى وتراكم الأمراض، وهذا يستدعي رفع الوعي لمواجهة الدعايات وفنون الترويج لمختلف الوجبات التي أدت إلى الإكثار منها وإلى المشكلات الصحية التي ترتبت عليها.
تترافق العادات الغذائية السيئة مع العديد من السلوكيات غير الصحية. ومن ذلك أن كثيرًا ممن تسوء تغذيتهم هم ممن تقل لديهم الحركة والنشاط البدني، وهؤلاء يعانون حسب الأبحاث ضعف المحتوى العضلي في أجسامهم وزيادة نسبة الدهون حتى في تركيبة عضلاتهم.
كما ثبت علميًا أن الإنسان المدخن يعاني اضطرابات هضمية تؤدي إلى قلة الفائدة من المواد الغذائية، وهذا الترابط بين أنماط المعيشة الغذائية والسلوكيات الضارة الأخرى يعيدنا إلى ضرورة رفع الوعي بقضية النمط المعيشي اليومي وضرورة تحسينه.
صحيح أن الجسم البشري يتمتع بمرونة تساعده على التوازن والتأقلم مع ما يدخل وما يخرج منه، ويستطيع حرق ما يدخل إليه واستهلاكه. إلا أن لكل شيء حدودًا، وهذه القدرة تقف عند حد معين، فزيادة كمية المدخلات، وقلة الحركة يمكن أن يتعامل معها الجسم ويبقى سليمًا، ولكن إذا زاد هذا الضغط عن حدوده فإن النتيجة هي أمراض مزعجة تأتي في سن مبكرة، فقد أودع الله في الإنسان الكثير من أنظمة التأقلم والوقاية، ومع ذلك دعانا إلى تجنب كل ما يضر ويؤدي إلى هلاك النفس قال تعالى: {$ّلا تّقًتٍلٍوا أّنفٍسّكٍمً إنَّ پلَّهّ كّانّ بٌكٍمً رّحٌيمْا}.