المشكلات الفقهية الناجـمة عن التطبيق المعاصر للزكاة

الورقة التي قدمها الدكتور مروان قباني حول المشكلات الفقهية الناجـمة عن التطبيق المعاصر للزكاة إلى ندوة الزكاة ودورها في النظامين الاقتصادي والاجتماعي في الدول والمجتمعات الإسلامية المعاصرة (نظرة واقعية وآفاق مستقبلية) التي نظمها المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب – البنك الإسلامي للتنمية.

مقدمة

ما سنعرضه فيما يلي ليس بحثاً فقهياً بالمعنى المتعارف عليه لاصطلاح “البحث” ، فهو يقتضي عرضاً وتركيزاً على مسألة معينة وإبداء الآراء حولها مع الأدلة عليها وترجيح ما يرجح منها ، وهذا غير حاصل في ورقتنا هذه

إن هدفنا ينحصر في عرض بعض المشكلات الفقهية التي تظهر في الممارسة العملية لتطبيق الزكاة في مجتمعاتنا المعاصرة من خلال المؤسسات المتخصصة لتنظيم هذه الفريضة سواء في القطاع الحكومي أم الأهلي ، وسواء أكان التطبيق إلزامياً أم طوعياً

ولسنا ندَّعي السبق في الإشارة إلى هذه المشكلات ، فقد كتب عنها وعن غيرها علماء متخصصون بحثوا مسائلها التفصيلية بإتقان ورجحوا من الآراء ما وجدوا فيه الدليل الراجح أو المصلحة المحققة ، وتم عرض هذه الأبحاث في مؤتمرات علمية وندوات فقهية،  لذلك فإن ما تتضمنه هذه الورقة هو مجرد تجميع لبعض هذه المشكلات في مجال جمع الزكاة وفي مجال توزيعها ، إضافة لخواطر خاصة حول هذه إشكاليات التطبيق نتجت عن المعاناة والمعايشة اليومية لقضايا الزكاة.

مستجدات العصر الحالي

مع انطلاقة القرن الخامس عشر الهجري يلحظ المرء تغيراً حدث في مجتمعات المسلمين حيث كانوا ، وكان لهذا التغيير مظاهر متعددة ، عبَّرت عن رغبة كامنة لدى الأمة لاستعادة هويتها والتمسك بشخصيتها ، وهذا لم يكن يعني سوى وعياً بكيانها وحيويتها رغم ما حاق بها من نكبات على مدى أزمنة طويلة.

لقد كان من جملة هذه المظاهر في تلك الحقبة ، وبما يخص موضوعنا ، إنشاء مؤسسات للزكاة تحت أسماء متنوعة من بيوت وصناديق وهيئات شرعت في التطبيق العملي للزكاة وإعادة إحيائها في نفوس المسلمين . ويمكن لنا القول أن هذه المؤسسات حققت خطوات متقدمة في مجال عملها ، ولكن هذا لا يعني أن فريضة الزكاة قد طبقت بتمام أحكامها وحققت غاياتها… لا فإن هذه المؤسسات ما زالت في بداية طريق تحقيق وظيفتها . ومع بداية هذا التطبيق اصطدمت بالعديد من المشاكل الفقهية ، التي نجمت أصلاً عن تلك الفجوة الزمنية التي تفصل بين زمن ظهور الأحكام التفصيلة لفقه الزكاة وبين الواقع المعاصر ، عندما غيِّب التشريع الإسلامي عموماً عن التطبيق العملي ، فكان من البديهي في مجال الزكاة أن تظهر خلال ذلك التغييب أنواع من الأموال المستحدثة وأنماط من العلاقات الاقتصادية وتغيرات اجتماعية لم يواكبها ما يوازيها من أحكام فقهية ، الأمر الذي أنشأ فراغاً فقهياً وقصوراً في شمولية هذه الفريضة.

هذا ما دعا المجامع الفقهية والهيئات الشرعية المعاصرة إلى محاولة سد تلك الثغرات ، وهو ما يتطلب جهداً علمياً فائقاً ، ليست هي بعيدة عنه ، فقدمت مشكورة تصورات حلول حول العديد من المشكلات.. إلا أن ذلك أيضاً ما زال في بداية الطريق ، رغم كل الجهود المحمودة ، فمجالات البحث الفقهي واسعة لمواكبة تطور المجتمعات على مدى يصعب تحديده ، فليس صحيحاً أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان ، وأنه ما ترك السابق اللاحق شيئاً ، مما لا ينسجم مع مفاهيم تبدل الزمن وتغير الأحوال.

بعض المشكلات الفقهية

أولاً ـ الزكاة بين العمل المؤسسي والمبادرة الفردية

من آثار الوعي بفريضة الزكاة ـ وهو ما تعمل على نشره مؤسسات الزكاة ـ إن كثر الحديث عن أهمية الزكاة وفوائدها المتنوعة ، وانعكاساتها على الفرد والمجتمع ، وعلى المؤدي لها والمستفيد منها ، الأمر الذي رتب وعوداً ووضع غايات تنص على الخير العميم المتحقق من تطبيق الزكاة على الوجه الصحيح . هذا الكلام وضع مؤسسات الزكاة في مجتمعاتنا المعاصرة أمام تحديات كبرى في أن وظيفتها ستؤول في المستقبل إلى تحقيق الطمأنينة والعدالة والتكافل الاجتماعي بأبهى صوره.

تبرز هنا مسألة ضرورة العمل المؤسسي لتحقيق تلك المصالح المنتظرة من هذه الفريضة ، والتي لا يمكن عملياً أن تظهر إلا بتنظيم واسع لها يخرجها عن الفردية والتصرف الخاص ، ووضعها بيد المؤسسة الكبرى التي تتمكن من خلال طاقاتها وتخصصاتها من معرفة حاجات المجتمع لتغطيتها ، وذلك بناء على دراسات وإحصاءات وبأساليب تحفظ كرامة الفقير لعلاقته بمؤسسة لا بفردٍ مثله ، إلى غير ذلك من ركائز لا نرى إمكان تحققها إلا بالعمل المؤسسي الذي يغطي مساحات المجتمع كافة.

في الوقت نفسه يجري الكلام خلال العرض الفقهي لأحكام الزكاة عن تولي المسلم بذاته إخراج زكاة أمواله إلى من يعرفهم من الفقراء ، وهو تصرف صحيح فقهياً ، ولكنه يساهم في تضييع فائدة العمل المؤسسي ، فإلى أي اتجاه ينبغي التوجيه خلال الدعوة إلى إحياء الفريضة ؟

لهذا نرى أن من واجب الهيئات العلمية والزكوية أن ترعى هذه المسألة وتتعرف إلى خطورة نتائجها ، وذلك بضرورة ترسيخ مفهوم أداء الزكاة بواسطة المؤسسات المتخصصة وعدم التركيز على الأداء الفردي ، وخصوصاً في التنبيه على أن هذا الأداء الفردي ربما يوقع المزكي في حرج إن أعطى الزكاة إلى من لا يستحق وهو عند بعض الفقهاء لا يجزى هذه المسألة ترتبط مباشرة بالمسألة التالية.

ثانياً ـ الزكاة بين الأموال الظاهرة والباطنة

لا يخلو كتاب فقهي لأحكام الزكاة ـ على الأغلب ـ من الإشارة إلى مسألة تقسيم أموال الزكاة إلى أموال ظاهرة وأخرى باطنة ، وأن ولي الأمر له أخذ الزكاة من الأموال الظاهرة كالإبل والبقر والغنم والزروع والثمار ، وأما الأموال الباطنة فيفوض أداؤها إلى أربابها ، على تفصيل لدى المذاهب لا يخرج على هذه القاعدة إجمالاً ، وذلك استناداً إلى ما روي أنه من فعل عثمان بن عفان رضي الله عنه وموافقة الصحابة له حيث صار إجماعاً

إن هذا التقسيم للأموال أصبح في وقتنا الراهن غير واقعي ، بحيث يمكن القول أن الأموال المعاصرة أصبحت كلها ظاهرة . (راجع بحث د. محمد سليمان الأشقر عن الالزام بالزكاة الظاهرة والباطنة) ورغم اختلاف النظم الاقتصادية بين بلد وآخر وصعوبة التدقيق في حسابات المكلفين وإشكاليتها لجهة هروب رؤوس الأموال فإنه يمكن للحكومات مراقبة تحرك الأموال عموماً بطريقة ما ، وهو ما يحدث عملياً في العديد من البلدان

إضافة إلى عدم واقعية هذا التقسيم ، فإنه على فرض صحة نسبة هذا التقسيم إلى عثمان رضي الله عنه (وهناك روايات تقول بأخذه المال الباطن) فإن العلماء قد تلمسوا سببه على أوجه ترتبط بأوضاع عصره والتطبيق العملي لجمع الزكاة في ذلك الوقت – راجع أيضاً المرجع المذكور

وعلاوة على هذا الأمر فإن تطبيق التقسيم المذكور يؤدي إلى تقليل مجموع الأموال التي تصل إلى مؤسسة الزكاة بنسبة كبيرة ، مما يؤدي إلى ضعف قدرة مال الزكاة على إحداث التغيير المنشود في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ، باعتبار أنه النسبة الأكبر للزكاة ستؤدى بواسطة أربابها على المستوى الفردي.

نعم يمكن للمؤسسات الحكومية للزكاة أن تحدد نسبة معينة من الأموال يستبقيها أصحابها لديهم ليتولوا توزيعها بأنفسهم ، إلا أنه يجب إبقاء النسبة الأكبر من الأموال لتوزع بواسطة المؤسسات المتخصصة لتحقيق غاية الفريضة.

لذلك فإن تقسيم الأموال إلى ظاهرة وباطنة مسألة غير مطلوبة ولا مصلحة فيها والإشارة إليها فقهياً باتت في عصرنا غير ذات فائدة.

ثالثاً ـ الأموال الخاضعة للزكاة بين التحديد والشمول

في مجموعة من الأحاديث النبوية عدَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم أموالاً نامية تجب فيها الزكاة ، مما كان منتشراً في ذلك العصر كالذهب والفضة والإبل والبقر والغنم من الحيوانات والقمح والشعير والتمر والزبيب من الزروع والثمار.

ومن الطبيعي أن تكون هناك أموال معروفة منذ ذلك الوقت لم تدخل ضمن هذا التعداد أو أن تستحدث أنواع أخرى لم يأت بها نص بوجوب الزكاة فيها ، كما حدث في عصرنا الراهن بالنسبة للأموال التي لم يتحقق منها شرط النماء باعتبار حصره فيما أعد فقط للتجارة.

وتنقسم المذاهب الفقهية ما بين متوقف عند التحديد النبوي لأنواع الأموال لا يتعداها إلى غيرها بحجة التقيد بالنص التشريعي وأنه الأصل هو عصمة الأموال وبراءة الذمة من التكاليف إلا بورود الدليل بوجوب تزكية المال ، وبين آخر متوسع في فهم النصوص بحجة شمول لفظ “الأموال” لكل مال من غير فصل بين مال وآخر ، كما ورد في قوله تعالى : *خذ من أموالهم صدقة* وقوله : *والذين في أموالهم حق معلوم* وقوله صلى الله عليه وسلم [أدوا زكاة أموالكم] ، وكما روي أن عمر رضي الله عنه أخذ الزكاة من الخيل وهو ما لم يرد فيه نص ، ونقل الإجماع بوجوب الزكاة في عروض التجارة ، وكذا أوجب الإمام أحمد الزكاة في العسل ، إلى غير ذلك من الآراء التي وسعت هذا المفهوم.

هناك فتاوى معاصرة في عدم أخذ الزكاة من مزارع البقر لإنتاج الحليب التي تقوم بها شركات كبرى ، ومذهب الجمهور عدم وجوب الزكاة فيها لأنها تعتمد على العلف المصنع ولا تتوجب بهذا المعنى إلا على صغار المالكين ، وكذا مزارع الدجاج لإنتاج البيض . في ماليزيا أوجب البعض على مزارعي الرز الفقراء إخراج الزكاة وأعفي منه نتاج المطاط ! وإعفاء شركات صيد الأسماك وصناعتها وشركات قطع الأشجار وتصنيع الخشب لأن تملكها كان بدون عوض.

إن هذا التطبيق في فهم النصوص يؤدي إلى إخراج أغلب الأموال المعاصرة من وجوب الزكاة عليها مما يضيع أهمية هذه الفريضة ومعانيها.

رابعاً ـ التمليك

من الشروط المعمول بها لصرف الزكاة إلى مستحقيها حصول تمليك المال إليه وقبضه له للتمكن من الصرف على حاجاته كما يريد . ولكن حالات معاصرة عديدة يتم فيها إفادة الفقير من مال الزكاة دون الالتزام بالقبض والتمليك مثل : إنشاء مؤسسات طبية أو اجتماعية أو دور عجزة وأيتام أو حفر آبار وغير ذلك كالإطعام أو دفع الزكاة إلى من قدم خدمة معينة للفقير المستحق كأجرة الطبيب أو المستشفى أو المدرسة ، كما تضطر مؤسسة الزكاة أحياناً إلى تسديد نفقات دفن الفقير الميت الذي كانت تقدم له مال الزكاة خلال حياته ، وأغلب الفقهاء وخصوصاً الأحناف على رفض هذا الشكل من الإنفاق لأنه لا تمليك فيه.. ولكنها في الواقع حاجات قائمة

لا شك أن هناك طرقاً تتحقق فيها مصلحة الفقير ينبغي معالجتها بشيء من مراعاة الظروف المعاصرة، – للإستناد مصطفى الزرقا ـ رحمه الله ـ إشارات هامة في هذا الموضوع ، أنظر بحث د. محمد عثمان شبير في “مبدأ التمليك ومدى اعتباره في صرف الزكاة

ومن ناحية أخرى يمكن طرح مسألة إعطاء الفقير قرضاً حسناً إنتاجياً لينشئ ورشة أو محلاً لممارسة مهنة ما ، بدل تمليكه قدراً من المال يمكن أن ينفقه في غير مصلحته كما يحدث كثيراً في عصرنا الراهن . إن إِشعار المستحق بمسؤوليته عن المال وضرورة إعادته إلى مؤسسة الزكاة وبالتالي إفادة الآخرين منه هي مسألة جديدة بالنظر والبحث ، وفيها مصلحة محققة ، علماً أن كثيراً من المجتمعات في شتى أنحاء العالم تتجه نحو إعطاء القروض الإنتاجية بعد ما ثبتت فائدتها بإغناء الفقير وتحويله إلى عنصر منتج بدل بقائه عالة على المجتمع ، فهل يمكن اقراض الفقير من مال الزكاة بهذه الحجة؟ مسألة ينبغي دراستها للوصول إلى الحل المناسب لأهمية الزكاة ودورها في التنمية

خامساً ـ استثمار أموال الزكاة

عندما تجمع مؤسسة الزكاة أموال الزكاة من مؤديها لا يمكن أن تنفقها في وقت واحد، مما يستدعي إيداعها في المصارف . فهل يجوز استثمار هذه الأموال المكدسة في مشاريع ذات ريع تقوم عليها هيئات متخصصة بإشراف مؤسسة الزكاة مما يزيد من قيمتها أو ينتج منها ريعاً يمكّن المؤسسة من التوسع في الإنفاق على المستحقين.

لم يبحث الفقهاء سابقاً هذه المسألة ، وتكلم عنها بعض المعاصرين بين من لا يرى جواز الاستثمار ومن يرى جوازه سواء أفاضت الزكاة أم لا.

إن إمكان توفير مزيد من الأموال بواسطة أموال الزكاة المستثمرة للإنفاق على حاجات المستحقين ، أمر ينبغي أن يكون موضع اعتبار أساسي ، وهذا ما يتناسق مع دور الزكاة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، بإنشاء مؤسسات جديدة وتشغيل مزيد من الأيدي العاملة.. لذلك تحتاج هذه المسألة المعاصرة إلى مزيد من العناية والبحث والتدقيق ووضع الضوابط

سادساً ـ زكاة المال الحرام

المال الحرام هو كل مال حرَّم الشرع اقتناءه أو الانتفاع به لكونه إما محرم لخاصية في ذاته كالخمر والخنزير أو محرم لغيره وإن كان متقوماً وحرمته تكمن في طريقة اكتسابه كالربا والميسر والعقود الباطلة.

ودون الخوض في تفاصيل قيام عين المال أو هلاكه أو تغيره فإننا لا نعلم خلافاً في أن المال الحرام لذاته ليس محلاً للزكاة لأنه غير متقوم بنظر الشرع وكذا المال الحرام الذي وقع خلل في اكتسابه لانتفاء تمام الملك المشترط لوجوب الزكاة.

هنا تطرأ مسألة تتعلق بما عمت به البلوى ، فالعدد الأغلب من الأفراد المسلمين يودعون أموالهم في البنوك الربوية ، وتسجل لهذه الأموال ما يسمى بالفائدة المصرفية الربوية. وقلة من المسلمين تتورع عن أخذها ، وقلة تأخذها وتنفقها في مصالح المسلمين العامة بناء على الفتوى المشهورة بهذا الصدد ، ويبقى العدد الأكبر الذي يضم الفائدة الربوية إلى ماله ، والتي أصبحت بمقتضى الأنظمة الاقتصادية المعاصرة وبمقتضى العرف ملكاً صحيحاً له ، في الوقت الذي يحرص على إخراج زكاة ماله.

فهل تعفى هذه الأموال من وجوب الزكاة فيها حسب القول المعتمد ، ويُسر من بيده هذا المال ، أو يمكن القول بضرورة إخراج الزكاة منها ما دامت بحسب العرف المعاصر ملكاً لمن هي بيده ، عدا أنها تشكل ثروات هائلة وتساوي نسبة الزكاة فيها قدراً كبيراً يساعد في حل مشاكل فقراء المسلمين وهي عديدة متنوعة.

وفي جانب آخر فإن مؤسسات الزكاة ، في البلدان التي لا يوجد فيها بنوك غير ربوية ، تودع أموال الزكاة في البنوك ويسجل لهذه الأموال فوائد مصرفية ربوية حسب المعمول به ، فكيف يمكن التصرف تجاه هذا الحال ! هل يضم الربا هذا إلى أموال الزكاة لتنفق في مجالاتها المعهودة ! أم يكون لها حساب خاص توضع له ضوابط للصرف.

سابعاً ـ سهم العاملين عليها

مؤسسات الزكاة ، حكومية كانت أم أهلية ، هي أدارات متخصصة لجمع الزكاة وتوزيعها على المستحقين ، وهناك إجماع على أن موظفي هذه المؤسسات هم من العاملين عليها ويعطون رواتبهم من هذا السهم بما يتكافئ مع مهامهم.

واختلف في المقدار الذي يعطون ، هل هو مقدار القوت أم ثمن مال الزكاة أو على مقدار الجهد، ويرى أغلب الفقهاء المعاصرين أنهم يستحقون مكافأتهم في حدود لا تتجاوز الثمن ، وفي هذا التوجه ضبط للمصاريف الإدارية حتى ولو لم تكن بقية مصاريف الزكاة متوفرة ، فليصرف نصيب المصرف غير الموجود على الفقراء وهو أولى وألصق بمسألة الزكاة.

كما يحدث أحياناً في بعض البلاد التي تجبي الزكاة طواعية أن تضعف واردات الزكاة بسبب أزمة اقتصادية أو غيرها ، والمؤسسة هي المؤسسة نفسها ، فترى أن النسبة المقررة لمصاريف الإدارة قد ارتفعت مع نقصان الواردات إلى ما يتجاوز الثمن في سنوات الأزمة .

وليس بالضرورة أن يكون هذا الإنفاق نتيجة للتوسع، فما هو الحل لهذا الموضوع ؟ إن خفض المصاريف الإدارية ساعتئذٍ يعني صرفاً لبعض الموظفين أو تقليلاً من النشاطات مما يؤثر على الدور الذي تقوم به مؤسسة الزكاة عدا التسبب في بطالة البعض.

خـاتـمــة

ما ذكرناه من مشكلات فقهية للتطبيق المعاصر للزكاة ما هو إلا مجرد خواطر لإثارة الفكر حولها فهي من بعض المشكلات العديدة المعاشة في مؤسسات الزكاة التي تحار أحياناً بين اختلاف المذاهب فتحاول أن تنتقي من الآراء ما يوافق الواقع ويحقق المصلحة . وهذا يعني دعوة إلى المجامع الفقهية والهيئات الشرعية أن تولى هذه المسائل أهمية قصوى في التوصل إلى الحل الأنسب لها.

إن في الأمة فقهاء وعلماء على مستوى عالٍ من العلم وفهم الواقع والحكمة يمكنهم من تجاوز الآراء التي كانت لزمنها ، ومن التصدي لتلك التحديات التي تتطلب مواجهة حقيقة لا يفيها صرف النظر عن المشكلة أو التعميم بعدم الجواز.. وكلنا أمل في حصول تيسير الله وتلبية رغبة الأمة في الالتزام بشرع ربها ومعايشة واقعها وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.